السبت، 30 يونيو 2012

مثقفون يحددون ملامح مشروع النهضة الثقافية

كتبت : فجر عاطف صحصاح
مثقفون وخبراء يضعون خطة محددة تشمل :

* تبنى المواهب الأدبية المعبرة عن طموحات الشعوب .
* التوقف عن استيراد المعانى غير الواضحة أو السلبية من الغرب .
* دعم مادى وصحى ونقابى للأدباء والمترجمين .
* ضبط الأداء الإعلامى والالتزام بمواثيق شرف المهنـة .
* تطوير المتاحف بعيدا عن الإهمال والنمطية .

حاول بعض المهتمين بالعمل الثقافى والفكرى فى مصر أن يرسموا معالم وملامح النهضة الثقافية المرتقبة، فهو مجال -رغم أهميته- يراه كثيرون نخبويا لا داعى للتركيز عليه فى ظل الأزمات الطاحنة التى تجتاح المجتمع.

 والحقيقة أن حالة تشكيل الوعى وإيقاظه، والبعث القيمى والأخلاقى والجمالى، وبث روح التفاؤل والتعاون والإخاء، ونشر مفاهيم التنمية والإصلاح، كل ذلك لا يتأتى إلا بنهضة ترسم ملامحها منتجات الثقافة المتعددة ومختلفة الأشكال.

الأهمية والتربية

فى البداية تقول "ماجدة شحاتة" -الكاتبة والباحثة، ومسئولة قسم الأديبات برابطة أدباء الحرية-: إن الثقافة هى المعبر الحقيقى عن هوية الشعوب، وهى النافذة التى تتسلل من خلالها أى قوة مهيمنة للسيطرة وتغيير وإعادة تنميط الحياة، وفقا لمصالحها.

وتضيف "ماجدة" أن البناء الثقافى يبدأ منذ الصغر؛ فى مناهج التعليم منذ رياض الأطفال، وحتى الجامعة؛ حيث تصبح القراءة رغبة طفل تنشأ معه وتتنامى عبر هذه السنوات، وهذا يتأتى من خلال ربط المدارس بمؤسسات الدولة الثقافية؛ حيث تصبح المدرسة وسيلة تعريف ودعاية وسط الطلاب لتلك الأماكن، ومن ناحية أخرى فلا يصح أن يتوقف نشاط المكتبات العامة على استعارة الكتب أو القراءة، بل رصد مسابقات بجوائز مجدية لجذب القراء، ومن ذلك مثلا التحول بمعرض القاهرة الدولى للكتاب إلى مهرجان ثقافى شامل لكل أفراد الأسرة؛ ترتبط به فعاليات لا تتسم بالنخبوية، بل تصبح مشاعا للجميع بمختلف المراحل العمرية.

وفيما يخص مؤسسات الدولة تذكر "ماجدة" أن مهرجان القراءة للجميع كمشروع رائع من حيث الفكرة، إلا أنه يبقى إعادة توظيفه بما يحقق الهدف المنشود بعيدا عن الصورة الذهنية السيئة التى ارتبطت به.

المتاحف ثروة قومية

ونظرا لأهمية العمل الثقافى المؤسسى رغم ما به من مشكلات، يؤكد د. صلاح المليجى -رئيس قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة- أهمية إعادة تطوير إحدى تلك المؤسسات؛ وهى المتاحف، فهى لا تقوم بالعمل المتناسب مع رسالتها، ومن واجب الوقت أن ننتهى من تطويرها؛ لأنها ثروة قومية سواء من الناحية الفنية أو التاريخية، فهى ذاكرة للأمة، وتطويرنا لها هو حفاظ على مقدرات مصر الثقافية، فينبغى الوصول بها إلى أعلى معدل من الحضور الثقافى؛ لكى نتمكن من وضعها على خريطة العمل السياحى؛ بما يصنع قنوات اتصال خارجية ورواج اقتصادى تحتاج إليه البلاد.

يضيف المليجى أن من المتاحف ما هو موجود فى أماكن نائية وعشوائية، وهذا يعنى أنه من الممكن استثمارها فى تقديم خدمات هادفة لساكنى تلك المناطق؛ حيث تصنع لهم بيئة جيدة، وتربط الأطفال بمكان مناسب لممارسة تجارب مختلفة مثل الفن التشكيلى، وحضور الندوات، ومقابلة كبار المفكرين والأدباء، وكل ذلك يعنى تدريب القائمين عليها؛ لكى يدركوا قيمة تلك العملية الثقافية، والبعد عن الروتين والركود.

المحتوى والقيمة

من جانبه يرى الشاعر "خالد الطبلاوى" أنه بات من المفروضأن يخرج الأدباء والشعراء من بوتقة الشكوى والبكاء، وينتشروا فى جميع أرجاء المجالات المجتمعية ويعبروا عن الشعب وآماله ويبثوا التفاؤل، ويوجهوا النظر إلى الأخلاقيات والقيم التى يجب أن تتوافر فى المجتمع العام فى فترة نهضته المقبلة -بإذن الله-، ولذا فنحن نطالب المؤسسة الثقافية الرسمية بأن تتبنى تلك الأصوات المعبرة عن آلام الشعب، وكفى التقاطا للمعانى من الغرب، خاصة المعانى الهلامية غير الواضحة بحجة الرمزية، فهذا كله تغييب لوعى الأمة.

فى الإطار نفسه، يشدد الشاعر "جاد زكى" - عضو المجلس الأعلى للثقافة- على أهمية تخير النصوص الجيدة للمسرح والشعر والقصة القصيرة قبل نشرهم، فالمستوى الحالى ضعيف جدا، ولذا فمن الواجب على "اتحاد الكتاب" و"المجلس الأعلى للثقافة" الابتعاد عن "المحسوبية"، فقد شاهدنا التحاق الكثيرين باتحاد الكتاب رغم عدم لياقتهم وعدم رقيهم بالمرة لتلك المكانة، وعن الإبداع الدرامى يقول "زكى": إنه هابط إلى أبعد الحدود، على الرغم من أن هناك مبدعين كثيرين مجهولين، ويحالون الوصول ولا يستطيعون، خاصة فى الأعمال الدرامية والمسرحية.

الاهتمام بالأديب

ويلفت الانتباه "خليل الجيزاوى" -الكاتب والروائى ومدير عام الإدارة العامة للشئون الأدبية بالمجلس الأعلى للثقافة- إلى ضرورة طرح مشروع للنهضة الثقافية وإدراجه على مشروع النهضة الكلى، فهو لا يقل أهمية عن بقية المحاور.

فالركيزة الأساسية لنهضة الأمة تعتمد على الثقافة والتعليم، وحول ملامح ذلك المشروع يذكر "الجيزاوى" عددا من المحاور؛ أهمها: تبنى خطة ثقافية لنهضة الأدباء، من حيث الدعم المادى، فمثلا معظم الأدباء غير مدرجين تحت مظلة التأمين الصحى، فهم تابعون لاتحاد الكتاب الذى هو بمثابة نقابة لهم، ولا يوفر لهم دعما طبيا إلا بنسبة 50% من تكلفة العلاج الإجمالى بحد أقصى 15 ألف جنيه، ويتعلل الاتحاد بضعف الميزانية، وهو بالطبع مبلغ لا يتساوى مع تكاليف كثير من الأمراض، خاصة المزمنة منها.

أيضا يعانى مشروع النشر من الضعف البالغ، فليس له سوى ميزانية متواضعة تأتى من وزارة الثقافة، وعلى سبيل المثال هناك ما يسمى بـ"السلاسل الأدبية"، ننشر فيه ما تتم الموافقة عليه من قبل هيئة قصور الثقافة، وذلك بعد انتظار قد يصل إلى 3 سنوات لكاتب كبير، أو ذى ثقل، و5 سنوات للكاتب الشاب أو غير المعروف، وهذا يجعل الكُتاب يلجئون إلى دور النشر الخاصة، التى تسيطر على السوق الأدبية الآن، وهى نوعان: دور تدعمها وزارة الثقافة أيضا، وتلك تطلب من الكاتب المشاركة بتحمل نصف التكلفة، وأحيانا التكلفة كلها، أما دور النشر الأخرى فهى مدعومة من رجال أعمال وقد تؤثر سلبا على الساحة الثقافية.

ويضيف "الجيزاوى" أنه لا بد من الاهتمام بهيئة قصور الثقافة، ومراكز الشباب فى القرى، والنجوع النائية، وأن يكون فى كل قرية مكتبة، فالآن لا توجد بيوت شباب أو مراكز ثقافية بالمعنى الحقيقى؛ حيث تحول قصر الثقافة إلى مجرد "صالات بلياردو"، وموظفين يمارسون روتين توقيع الحضور والانصراف؛ فى حين أن الأدباء الشباب يفتحون أعينهم فى قُراهم ومراكزهم على تلك الجهات فلا يجدون فيها ما يريدونه؛ فيصيبهم الإحباط الشديد، وقد يدفعهم ذلك إلى الطرق والشوارع، ثم نعود فنسأل: لماذا انتشرت الجريمة والبلطجة؟!

مشروع الترجمة

قضية أخرى مهمة قد يغفل البعض عن إدراجها فى المشروع الثقافى، وهى قضية الترجمة، تقول عنها "أسماء نوار" -مترجمة لغة إنجليزية بإحدى دور النشر- إنه لا يوجد تقنين لعملية الترجمة، فلا توجد مثلا نقابة للمترجمين لمتابعة أدائهم؛ خاصة أن الترجمة عمل يأتى بالتراكم وخبرات العمل والسنوات، ولذا فمن المهم أن يتم ذلك عبر دورات متطورة مستمرة مدعمة من الدولة؛ لأن دورات هذا المجال فائقة التكلفة، ولكن للأسف مجال الترجمة مجال غير منتبه إلى أهميته، ولا يعرف الكثيرون خطورته، كما أن المترجم لا يشعر أبدا بتلقى حقه الأدبى أو المعنوى، ولا توجد أية هيئة تدعمه أو تبحث له عن حقوقه.

من جانبها تضيف "أسماء" أن الدولة لم تقم بدورها فى مجال الترجمة حتى الآن كما ينبغى، فعلى الرغم من أنها كثيرا ما تطرق أبوابا لا تقبل عليها دور النشر الخاصة، مثل ترجمة الموسوعات المكلفة جدا، ولكنها تفتقد إلى أن تعيد طباعة الكتب المهمة التى قامت بترجمتها؛ فهى إذا نفذت وبحثنا عنها لم نجدها.

على جانب آخر، وللأسف أيضا نحن فى مصر ننقل إلى العربية، أكثر مما نقوم بترجمة إنتاجنا إلى اللغات الأخرى، وتلك مسألة مهمة، تعنى أننا لا نسوق لأنفسنا جيدا، فكتاب مهم مثل "إحياء علوم الدين" للإمام "أبو حامد الغزالى"، بالطبع يهمنا نحن العرب نقله إلى الخارج، ولكن حتى الآن لم تتم ترجمته، والمشكلة تكمن فى أن المستشرقين الدارسين للعربية، يقومون هم بالكتابة والنقل عنا، مما يجعل الأفكار المغلوطة وغير الصحيحة هى التى تسود فى الخارج، وفى هذا نتخلى عن واجب مهم ملح.

ضبط الأداء الإعلامى

ولأن الثقافة شديدة العلاقة بالعملية الإعلامية ، التى تساهم إلى حد كبير فى تشكيل المادة الفكرية للجماهير العامة، يطرح د. محمد شومان -أستاذ الإعلام والرأى العام بجامعة عين شمس- عددا من المقترحات لضبط الأداء الإعلامى حتى يصير أداة تنوير لا تجهيل، فيقول أولا ونظرا لأهمية الموضوع لا بد من تنظيم البيئة الإعلامية بكافة أشكالها حتى ما يسمى منها بالإعلام الجديد أو "النيو ميديا"، وذلك بإصدار قانون شامل موحد يضبط عمل وسائل الإعلام المختلفة، الأمر الذى لا يعنى المنع أو فرض القيود، ولكنه يهدف إلى وجود قواعد واضحة للإدارة، وآليات لضمان شفافية التمويل ووجود رقابة شعبية على الأداء الإعلامى؛ وهذا الضبط يشمل بداية ضمان حق العاملين فى كافة وسائل الإعلام فى التنظيم النقابى المستقل لهم لتنظيم صفوفهم، وصياغة مواثيق شرف لضمان السلوك الملائم فى ممارسة المهنة، ثم تشكيل لجنة مستقلة من شيوخ المهنة للإشراف على هذا الأداء الإعلامى يختارها البرلمان والنقابات الإعلامية، تتولى تدقيق وضمان الالتزام بأعلى معايير المهنية من حيث التوازن فى عرض وجهات النظر، وتحرى الدقة والمصداقية، وعدم النشر المجهل للأخبار والمعلومات.

يركز "شومان" أيضا على تفعيل دور المجتمع المدنى فى الرقابة المجتمعية، من خلال تشكيل هيئات أو جمعيات للمتابعة والرقابة، ولم ينس "شومان" الإشارة إلى أن الإعلام معركته طويلة، فهو مرتبط ارتباطا كبيرا بالمصالح، وهناك سيطرة على وسائل الإعلام من قبل النظام القديم، حيث إن أحد النتائج السلبية وغير المتوقعة لثورة 25 يناير وقوع الإعلام والرأى العام المصرى فى قبضة رجال الأعمال، وللأسف تلك القنوات والصحف أصبحت أكثر تأثيرا حتى من الإعلام الرسمى.
---------------
طالع التقرير على موقع : حزب الحرية والعدالة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق