الجمعة، 10 يونيو 2011

ماذا يعني فصل السياسة عن الدين ؟

بقلم : ماجدة شحاته
لا تكاد الحركة الإسلامية تنفك عن التماهي والتعاطي مع الواقع ، من غير استدراك أو اعتراض على ما قد يخالف الفهم الصحيح لما يجب أن يكون عليه ضبط المسائل ،لاسيما عندما يمارس الإعلام المضاد دوره المشبوه فى التخويف من الإسلام السياسي وعندما ندرك أننا بصدد حرب أفكار وتغيير قناعات أو إرساء مبادئ عمل ، هنا لابد أن تتزن الرؤى وتهدأ  لغة الحوار وتنشط حركة العمل في وسط الإسلاميين على اختلاف أطياف الألوان ؛ لتوحيد الخطاب وكف اليد ومخالطة الشارع كيلا يُساء استغلال شراذم الناس وفقرائهم في صنع أحداث ومواقف ،  تكون جاهزة كمادة يتعاطاها الإعلام فى تلفيق التهم للإسلاميين في فزاعة لم يصنعها النظام  بقدر ما صنعتها دوائر إعلامية تقف بالمرصاد للإسلام للحيلولة دون تصدره المشهد السياسي في المدى البعيد أو القريب .

ومسألة فصل الدين عن السياسة ليست  بدعة جديدة ، أو مؤامرة جديدة على الأمة بلها قديمة منذ الاحتلال الغربي لعالمنا الإسلامي ، ففي بداية العقد الرابع من القرن العشرين ( 1940) ، انطلق عبد العزيز فهمي بمقولته "إن الدين لله وأما سياسة الإنسان فللإنسان " لم يمض عليها ثلث قرن آخر حتى رددها أنور السادات بعبارة أخرى " لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة " والهدف واحد فصل الدين عن السياسة لتحكم كيفما شاءت دون رجوع إلى تأصيل شرعي يضبط القرارات ويفصل في الحقوق والواجبات ؛ لتكون السياسة حلا مستباحا لقمع واستبداد ، ومسخ وتغييب لهوية الأمة لتُحكًم وفقا لمصالح المحتل دون مراعاة للأمة في أي شأن من شئونها ..

من هنا يصبح من الخطأ ابتداء القبول بفكرة عدم إقامة أحزاب على أساس ديني لأن دولة دينها الإسلام والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع وهو ما نُصّ عليه فى الدستور لا ينبغي أن يأتي قانون الأحزاب ضاربا عرض الحائط بل مخالفا لأولى مواد الدستور ومجرما اتخاذها منطلقا.

إذ إن السياسة شأنها شأن أى نشاط يتصل بحياة الناس لابد أن يستلهم في ضوابط أدائه مجموعة قيم ومبادئ وأعراف وتقاليد ومكارم أخلاق وفضائل  سائدة،  الخروج عليها يغدو هدما للمجتمع وإسقاطا لموروث ثقافي يميز كل مجتمع عما سواه ، وحين يُسلّم بفصل الديني عن السياسي يغدو المقصود حصر الإسلام وحده دون غيره لترسيخ سياسة إبعاده عن الحياة ، وممارسة نوع من العزل السياسي لكل داعية ، وتغييب الإسلام كما حدث على مدى قرن مضى  عن العالم كنموذج أيديولوجي يملك مقومات الفعل المؤثر ومن ثم قلب موازين القوى حين يأخذ طريقه إلى الشعوب ملبيا حاجاتها النفسية والروحية ولا يكون اختياره محل جدل أو عناء .

وفي مسارات التدافع الإنساني والتداول الحضاري في الصعود والهبوط يصبح الإسلام فى القرن الحادي والعشرين مرشحا لصعود يتصدر المشهد على الأقل في إحداث توازن القوى ،  فتغدو معه البشرية أكثر أمنا ومن ثم يتوقف مشروع الحكومة العالمية التى تقوم بدور الوصاية على العالم في تحقيق سيطرة أكبر ونهب أكثر لصالح الشركات الدولية العابرة للقارات.

من هنا يتم توظيف الإعلام وكثير من مؤسسات المجتمع المدني فى عالم الإسلام للتخديم على تحويل الاهتمامات وتحريف المفاهيم ،  وتصدير المصطلحات لتفعل فعلها في التضليل والتلبيس الديني البغيض والمسئ ، والذي  لا يتصل من قريب أو بعيد بديننا وخاصة أن ذهنية المسلمين لا تحمل أثرا لرواسب كراهية أو خصومة لدينها ولا تنظر لتاريخ الإسلام إلا من حيث الشوق لاستلهامه واستعادته كما كان مجدا مشرقا وعدلا مطلقا؛ لذا فإن  محاولة التشكيك والطعن في المنهج الإسلامي لم تنجح على مدى عقود سابقة إلا في خلخلة سلوك سرعان ما ينضبط حال توقف التوظيف المسئ لأدوات السلطة ، حين تعمل جاهدة على صرف الشعوب عن دينها ، وهذه الشعوب ما تزال تعرف أن دينها ليس هو ذلك الذي يحاول الإعلام الموجه تقديمه فى مخرجات فنية أو حوارية  ، وليس هو ذلك الذي يحمله تجار الدين في كل مكان ممن لا يُرى لظاهره أى أثر إيجابي فى سلوكه الواقعي وهي ــ الشعوب ـ تعرف بفطرتها صحيح دينها من سقيمه ، من يحمله على الجد والصدق ممن يتاجر به ، من هنا فهي لن تسمح بالتلبيس عليها وتخويفها من مشروع إسلامي حانت فرصة أن يكون اختياره هو الأولى والإلزام وأن يحدد مسارات حياتها ويضبط إيقاعها فيحقق لها مالم تحققه علمانية تلونت بكل لون فاكتوت الشعوب  بنار فساد واستبداد وأهدرت كرامتها بكل سبيل ، إنها لا تجد عزها إلا فى ظل إسلام يحكم ومثل وقيم تتحرك فى الناس فى كل ميدان مهما افتئتوا عليها.

إنه لم يعد مبررا أن تنطلق مطالبات مدفوعة بما يصادم ثقافة الأمة وموروثها الحضاري معرفيا وهو ما يحمي أى أمة من الذوبان في الآخر، بحيث تظل السمات الشخصية لكل أمة تميزها عن غيرها وعلى قدر احترام هذه الخصوصيات تكون منعة الأمم من الانهيار أو الاندثار أو الدوران فى فلك القوى المهيمنة التى تريد أن تصبغ العالم بصبغتها سيطرة وبغيا ونهبا للخيرات والثروات.

إن في عودة الإسلام تبشيرا بتقديم نموذج الرحمة الذي يرعى الإنسانية في كل صورها من غير استغلال أو عدوان وفي غير حاجة لازدواج فى معايير أو اختلال في موازين.
ولأن هذه حقيقة يدركها أصحاب المشروع الصهيوني فى السيطرة على العالم فإن جهودا حثيثة بعد الثورة تريد من خلال المسلمين أن تشوش على الإسلام في الفرص السانحة لتمكينه بحيث تنشط حملة ضارية على كل ما هو إسلامي ترويعا وتخويفا  ، لكن يظل هؤلاء جميعا في واد سحيق وتجرؤ صفيق إذ لا يجدون لهذا كله أثرا  في واقع الناس ؛  لأن ممارسات الفساد والاستبداد فى ظل نظم علمانية عميلة رسخت قناعة لدى الشعوب أنه لا حل إلا في  الإسلام من هنا فإن فصل السياسي عن الديني ليس له مكان ، ولو أتيحت الفرصة لإعلام أمين لأزيلت كل الشبه التى أثيرت حول  الإسلام وسببت تشوهات لدى البعض فى قصور النظر إلى الإسلام النموذج المشرق لسياسة عادلة لم يعرفها التاريخ البشرى ، ولانكشفت عورات تحركات التخويف من الإسلام الممولة والمدفوعة الثمن ، كنوع من التشويش  خوفا من دورة ثانية للحضارات تعود حتما إلى الشرق ويكون المسلمون هم حملتها وروادها نحو خير البشرية وسعادتها ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق