السبت، 30 يونيو 2012

إمرأة في الميدان

بقلم : ماجدة شحاته
في ظلمة الليل وسكونه ، الذي خيم على كل شيء من حولها ، وبعد ليلة طويلة من سهر الأبناء في حراسة اللجان الشعبية ، بعد حرق مركز الشرطة وهروب السجناء ، وسرقة كل ما طالته يد البلطجية ، فتحت النافذة رغم برد الشتاء القارس، تتأمل السماء الملبدة بالغيوم، التي حالت بين القمر ونجوم السماء أن تنفذ بنورها إلى الأرض، جلست في الشرفة تتأمل النهر وهو يكاد يلتصق بالسماء من بعيد، صلت ركعتين، وجلست ترقب الفجر في في ذكر وتسبيح وتهليل، ضارعة إلى الله أن يحفظ الثوار بالميدان.

ما كاد الفجر يرتفع أذانه حتى استيقظ الزوج بعد إغفاءة قصيرة منذ صعد من حراسة الليل، بعد عودته من الميدان قريبًا من المغرب، فتح (التلفاز) يطمئن على أخبار الميدان، لا تزال قناة (الجزيرة) وحدها ساهرة، الأخبار تتوالى تحذيرات من قناصة، من قتل وتفجير وإثارة الرعب لفض الميدان، حوقل الرجل، خرج إلى المسجد للصلاة، أخبرها أنه ذاهب للتحرير إن كانت ترغب في مرافقته.

تجهزت للرحيل معه قبل أن تسفر شمس اليوم، لم يكن أحد من سائقي الأجرة يرغب في الذهاب للقاهرة، أقنع الزوج أحدهم بواجب الوقت، وأنه حين ينقل الناس فإنه يكون في رباط ثوري، اقتنع الرجل، سارت السيارة لم تنفك أحاديث الغضب، توجس الجميع خيفة من غلق مداخل القاهرة، وضع الكل يده على قلبه، اقتربت السيارة، تنفسوا الصعداء، حمدوا الله إذ استطاع السائق.

تجاوز الحواجز، وصلاً الميدان بحمد الله، آثر هو ألا يمكث في مكان محدد، فهو يؤثر التنقل بين كل التجمعات، يشاركها نشاطها، وآثرت هي الجلوس أمام المنصة الرئيسية، فيما بعد المسافة التي يشغلها الشباب والرجال، انتصف النهار ولم يعد، الهواتف تفتقد التجميع، التجميع يأتي متقطعًا، مضى الوقت في حوارات وهتافات ودعوات.

لم يكد يؤذن العصر، حتى انتفض الميدان هرجًا ومرجًا، الخيول والجمال تطيش في الناس، الحجارة تتساقط على الرؤوس، النيران تشتعل هنا وهناك، وضعت يدها على قلبها، استعادت شجاعتها، لمواجهة الموقف بكل ثبات، استردت ثقتها بالله، حين لاح طيف زوجها، وما سيكون عليه الآن، وهي تعرف مخاطرته وإقدامه، إنها ضريبة الوقت، مضت تتحرك بين الصفوف، تناول حجرًا، أو تخلعه من أرض الميدان، بأظافر من حديد، لا تبالي ما تلقى من ألم، تكسر الحجارة حينًا، ليسهل قذفها ونقلها.

لم يشغلها شيء عما هي ومن معها فيه من خطر القضاء على الثورة، لا بد من الثبات، كادت تكل أذرعها، لكنها تتحامل على نفسها، كيلا ينشغل بها عن المعركة أحد، الجثث فجأة تتساقط دون معرفة مصدر الإصابة، دموعها تتساقط.. رغمًا عنها أمام دماء تراق وأرواح تزهق، لا بد من الاستبسال، يحاول أحدهم حجزها عن التشابك مع البلطجية، لكنها تواجه معه الخطر بصدر عار وقلب مكشوف يأبى أن توأد الثورة في مهدها، مضت الساعات بين جيئة وذهاب حاملة الطوب والحجارة، تحفز وتشجع تذكر وتدعم.

وبينما هي على ذلك إذ سقطت على الأرض ودمها ينزف، لم تدرِ بنفسها، أفاقت في المستشفى الميداني، تتحسس الطوب والحجارة، تستحث الحضور الاشتباك لطرد الصعاليك، تلفتت فإذا زوجها قد فقئت عينه، نظرت إليه والدم يتدفق من جبينها، ابتسمت في وداعة تربت على يديه:

 ألا ترى يا أبا معاذ أن عينك الصحيحة فقيرة لمثل ما أصاب أختها في الله؟

 ابتسم مشفقًا عليها وهو يمسح عنها الدم:

أما زلتِ يا أم معاذ تظنين أن "أم عطية وأم سليم" نموذج لجهاد المرأة غير قابل للتكرار في زمن الصاروخ والدبابة ؟
--------------
طالع المقال على موقع : إخوان أون لاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق