الاثنين، 6 يونيو 2011

إقصاءٌ غير مفهوم

بقلم : ماجدة شحاته
عندما انتهت الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتى بإعلان بروسترويكا جورباتشوف التى فككت دوله, بحثت أمريكا عن عدو تتوهمه ,لتمارس سلطتها ونفوذها على الأرض , كونها تستشعر قوتها , وتريد توظيفها , بما يحقق مصالحها أو يُبقي على سلطانها كدولة عظمى ..

 فتشت أمريكا فلم تجد إلا الإسلام عدواً قائما وقادماً, ولابد من بقاء كل الترتيبات الدفاعية , لمواجهة خطر الإسلام , بدأ الأمر بفرضية نيكسون , التى ألف حولها كتابه عن الإسلام كخطر يهدد العالم , نسي نيكسون أنه كلف مستشاره "هربرت جرين" بالبحث فى مكتبات الكونجرس , والمخابرات والأمن القومى , وكل جهة لها صلة بالبحث والدراسة عن الإسلام , قام المستشار بالمهمة خير قيام , عاد إلى نيكسون بعد ستة أشهر بخلاصات بحثه الموضوعية والمتجردة من خلال مراكز بحوثهم ورصدهم , ليلقي إلى نيكسون بحقيقة لا تقبل الجدل : الإسلام لم يكن يوماً يمثل خطراً على البشرية , وأنه ــ أي جرين ــ أثناء بحثه اقتنع بالإسلام كدين حضاري مشرق باحترام الإنسانية على حد سواء.

انتهى روبرت من تقريره , غير أن نيكسون أخبره أنه لم يعد يجدي , فقد تم توزيع كتابه , وأفلت من يده ..

هذه مقدمة طويلة نوعاً , اضطررت إليها وأنا أتأمل النظام الفاسد وهو يتخذ ــ كأمريكا بعد الحرب الباردة ــ  الإسلام فزاعة يتكئ عليها فى البقاء والاستمرار , ويختلق من الأحداث ما يشوه الصورة ويرسخ دموية واستبدادية الإسلام , ليظل مبرر الإبقاء على الاستبداد أفضل من تمكين الإسلام .

خلال هذه المرحلة  ــ للأسف الشديد ــ انعكس بشكل مخز كره للإسلام على العامة والخاصة , وغاب منطق العقل فى التمييز من خلال واقع الإسلاميين , فى حياة الناس , وغدا كل خير يقدمه الإسلاميون مشكوك فيه , بل بالعكس كل معروف فهو منسي , ومنكور , وذاكرة  الكثرة للأسف  سريعة النسيان , فغدت لا تتذكر فضلاً , بقدر ما تضخم سوءاً .

لا أنكر أن ممارسات شتى  لبعض الإسلاميين تتسم بالسلبية , عكست انطباعاً مسيئاً , لكنها وحدها لم تشكل الصورة المشوهة عن الإسلام , فإن الجزء الأكبر - بل اشك - مارسته الأنظمة من خلال أجهزة إعلامية وأمنية لا تعمل ولا تقتات إلا من خلال تشويه الإسلاميين .

كان هذا قبل ثورتنا الكاشفة طبيعياً لأنه كان سلوك نظام مهمته تكريس وضع قائم على التردي والفساد ومبرره في البقاء التخويف من الإسلام .

لكن بعد الثورة والتحام شرائح المجتمع بعضها ببعض , وزوال السلطة الصانعة لأجواء الترهيب والكراهية , لم يعد مقبولاً أن يستمر مسلسل  تشويه الدين سواء من خلال استغلال  سوء تصرف بعض الإسلاميين , وهذه يمكن تحجميها وتوجيهها , أو من خلال قوى تعمل متخفية بنفس الأسلوب الأمنى السابق فى اختلاق أحداث مغايرة , أو قد تكون عفوية وعابرة لكن يتلقفها إعلام مضلل لم تطهره الثورة بعد من دنس النفاق , فيظل ينفخ فى أوار الكراهية لكل ما هو إسلامى , من خلال أحداث مصنوعة ومواقف مدفوعة تستغل الجهل والحاجة فى قرى مصر لممارسة شذوذ أخلاقى وقيمي يتم تلفيقه بالإسلاميين نكاية أو عمالة سمها ما شئت , فاستقراء الحدث والتعاطى معه على تلك الشاكلة من التضخيم لا يمكن أن يوصف بغير ذلك ، وقد تحركه يد هنا وهناك تريد أن تحدث فوضى حتى لايستقر أمر الثورة على نظام يقترب من أو يقرب الإسلام من حياة الناس .

إن الوطنى المخلص لا يتلقف الخطأ , ولا يشيعه, بل قد يعتذر عنه ويستنكره من غير ربطه بفصيل أو تيار , وليعلم كل مدعى الوطنية , المتخوفون على الثورة , المترصدون للدين , المتحفزون ضده ,أن الشعوب  لن تكره دينها , وسوف يكون خيارها , ولن ترضى بغير مرجعية للإسلام تضبط وتوجه وتفصل فى كل سلوك الأمة , وأن دينها لا يخالف الديمقراطية فى أى قيمة أو مبدأ يكفل حقوق الإنسان على كل المستويات , ويقر بتداول السلطة وفقاً لاختيارات قائمة على استقامة السياسات بما يحقق مصالح الأمة , ويقيم علاقات متوازية ويحترم العهود والمواثيق , ويقيمها فيما بعد على أساس من توازن المصالح , وهو دين أعرف ما يكون بالدولة المدنية فى صورتها المثلى , وهو أسبق إلى التمرس بها قبل أوروبا  الحديثة لقرون عدة  من غير مواءمات أو موازنات تخل بشرف القصد ونبل الوسيلة .

تاريخنا شاهد على ذلك , واستهداف أمتنا هو الذى عمل على تكريس الاستبداد , وتفعيل فقه طاعة المستبدين على غير حقيقة سيرة الإسلام ومسيرته فى نهوضه الحضارى ،  الذي بنت عليه أوروبا المتنكرة لحدوده , حين قفزت على الحضارة الإسلامية , بربطها حضارة الغرب بحضارة اليونان وإسقاط الفاصل الزمنى لحضارة الإسلام التى أشرقت بعلومها ونور إنسانيتها على الكرة الأرضية , وقت أن كانت أوروبا تعيش ظلامها الدامس فى كنسية ثيوقراطية تحكم بصكوك غفران , وتعبد البشر لغير الله .

لقد آن لشعوبنا أن تعرف حقيقة الدولة الدينية فى المفهوم الغربى الذى يعني حكماً كنسياً بغيضاً مستبداً , والدولة الدينية فى المفهوم الإسلامى الذى ارتبط بإقامة العدل ,و المساواة بين البشر كل البشر فى الحقوق والواجبات .

إن ما يمارسه إعلام ما بعد الثورة ضد الدين فى  نعته الإسلاميين بكل نقيصة وتلفيقه التهم من غير دليل أو تبيين إنما يعنى أنه يكمل المهمة بوعى أو بغير وعى , تلك التى تحض على كراهية الدين , حتى تكون هى الحائل دون وصوله يوماً للحكم , بربطه فى الذهنية  ثنائية مكذوبة بين الإسلام والاستبداد حال وصول الإسلاميين .

إنه لأمر غريب أن ُترتضى الديمقراطية وسيلة ثم تصبح نتائجها مزدوجة المعايير حين تأتى بالإسلاميين .

لست أنزه الممارسات عن الخطأ والخطيئة لدى بعض الإسلاميين كسلوكيات فردية وشخصية ،ولكني ضد حملة منظمة تمارس إقصاءً للدين عن الحياة وكأن الدين هو العدو .

قد تكون هذه الممارسة الإقصائية مفهومة  أو طبيعية حين تأتي من  المخالف فى الدين , ولكنها غير متفهمة ولامقبولة من جيش من المسلمين يتسترون بالديمقراطية وهم ينكرونها فى المحك الواقعى ,حين تكون الغلبة للإسلاميين من خلال اقتراع نزيه أو استفتاء شفيف ، فتنكشف سوءات ادعاء الديمقراطية التى لا تحترم اختيارات الأغلبية الساحقة فتقصي وتستبد بمخالفيها فى سلوك لن ينطلي على العامة فى ظل حرية،  تنكشف على أعتابها حقائق الانتماءات , وطبيعة التحركات ومصادر التمويلات ،وحينئذ سندرك يقينا أنها ثورة كاشفة لكل خبيئة مهما تسترت فالله كاشفها ليميز الخبيث من الطيب ،في إعلام مرد على النفاق ، وطبع على الكذب ، لا يعترف بأدب الخلاف أو شرف الخصومة . 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق