بقلم : ماجدة شحاته
عندما انتهت الحرب الباردة بين
أمريكا والاتحاد السوفييتى بإعلان بروسترويكا جورباتشوف التى فككت دوله, بحثت أمريكا
عن عدو تتوهمه ,لتمارس سلطتها ونفوذها على الأرض , كونها تستشعر قوتها , وتريد توظيفها
, بما يحقق مصالحها أو يُبقي على سلطانها كدولة عظمى ..
فتشت أمريكا فلم تجد إلا الإسلام عدواً قائما وقادماً,
ولابد من بقاء كل الترتيبات الدفاعية , لمواجهة خطر الإسلام , بدأ الأمر بفرضية نيكسون
, التى ألف حولها كتابه عن الإسلام كخطر يهدد العالم , نسي نيكسون أنه كلف مستشاره
"هربرت جرين" بالبحث فى مكتبات الكونجرس , والمخابرات والأمن القومى , وكل
جهة لها صلة بالبحث والدراسة عن الإسلام , قام المستشار بالمهمة خير قيام , عاد إلى
نيكسون بعد ستة أشهر بخلاصات بحثه الموضوعية والمتجردة من خلال مراكز بحوثهم ورصدهم
, ليلقي إلى نيكسون بحقيقة لا تقبل الجدل : الإسلام لم يكن يوماً يمثل خطراً على البشرية
, وأنه ــ أي جرين ــ أثناء بحثه اقتنع بالإسلام كدين حضاري مشرق باحترام الإنسانية
على حد سواء.
انتهى روبرت من تقريره , غير
أن نيكسون أخبره أنه لم يعد يجدي , فقد تم توزيع كتابه , وأفلت من يده ..
هذه مقدمة طويلة نوعاً , اضطررت
إليها وأنا أتأمل النظام الفاسد وهو يتخذ ــ كأمريكا بعد الحرب الباردة ــ الإسلام فزاعة يتكئ عليها فى البقاء والاستمرار
, ويختلق من الأحداث ما يشوه الصورة ويرسخ دموية واستبدادية الإسلام , ليظل مبرر الإبقاء
على الاستبداد أفضل من تمكين الإسلام .
خلال هذه المرحلة ــ للأسف الشديد ــ انعكس بشكل مخز كره للإسلام
على العامة والخاصة , وغاب منطق العقل فى التمييز من خلال واقع الإسلاميين , فى حياة
الناس , وغدا كل خير يقدمه الإسلاميون مشكوك فيه , بل بالعكس كل معروف فهو منسي , ومنكور
, وذاكرة الكثرة للأسف سريعة النسيان , فغدت لا تتذكر فضلاً , بقدر ما
تضخم سوءاً .
لا أنكر أن ممارسات شتى لبعض الإسلاميين تتسم بالسلبية , عكست انطباعاً
مسيئاً , لكنها وحدها لم تشكل الصورة المشوهة عن الإسلام , فإن الجزء الأكبر - بل اشك
- مارسته الأنظمة من خلال أجهزة إعلامية وأمنية لا تعمل ولا تقتات إلا من خلال تشويه
الإسلاميين .
كان هذا قبل ثورتنا الكاشفة طبيعياً
لأنه كان سلوك نظام مهمته تكريس وضع قائم على التردي والفساد ومبرره في البقاء التخويف
من الإسلام .
لكن بعد الثورة والتحام شرائح
المجتمع بعضها ببعض , وزوال السلطة الصانعة لأجواء الترهيب والكراهية , لم يعد مقبولاً
أن يستمر مسلسل تشويه الدين سواء من خلال استغلال سوء تصرف بعض الإسلاميين , وهذه يمكن تحجميها وتوجيهها
, أو من خلال قوى تعمل متخفية بنفس الأسلوب الأمنى السابق فى اختلاق أحداث مغايرة
, أو قد تكون عفوية وعابرة لكن يتلقفها إعلام مضلل لم تطهره الثورة بعد من دنس النفاق
, فيظل ينفخ فى أوار الكراهية لكل ما هو إسلامى , من خلال أحداث مصنوعة ومواقف مدفوعة
تستغل الجهل والحاجة فى قرى مصر لممارسة شذوذ أخلاقى وقيمي يتم تلفيقه بالإسلاميين
نكاية أو عمالة سمها ما شئت , فاستقراء الحدث والتعاطى معه على تلك الشاكلة من التضخيم
لا يمكن أن يوصف بغير ذلك ، وقد تحركه يد هنا وهناك تريد أن تحدث فوضى حتى لايستقر
أمر الثورة على نظام يقترب من أو يقرب الإسلام من حياة الناس .
إن الوطنى المخلص لا يتلقف الخطأ
, ولا يشيعه, بل قد يعتذر عنه ويستنكره من غير ربطه بفصيل أو تيار , وليعلم كل مدعى
الوطنية , المتخوفون على الثورة , المترصدون للدين , المتحفزون ضده ,أن الشعوب لن تكره دينها , وسوف يكون خيارها , ولن ترضى بغير
مرجعية للإسلام تضبط وتوجه وتفصل فى كل سلوك الأمة , وأن دينها لا يخالف الديمقراطية
فى أى قيمة أو مبدأ يكفل حقوق الإنسان على كل المستويات , ويقر بتداول السلطة وفقاً
لاختيارات قائمة على استقامة السياسات بما يحقق مصالح الأمة , ويقيم علاقات متوازية
ويحترم العهود والمواثيق , ويقيمها فيما بعد على أساس من توازن المصالح , وهو دين أعرف
ما يكون بالدولة المدنية فى صورتها المثلى , وهو أسبق إلى التمرس بها قبل أوروبا الحديثة لقرون عدة من غير مواءمات أو موازنات تخل بشرف القصد ونبل
الوسيلة .
تاريخنا شاهد على ذلك , واستهداف
أمتنا هو الذى عمل على تكريس الاستبداد , وتفعيل فقه طاعة المستبدين على غير حقيقة
سيرة الإسلام ومسيرته فى نهوضه الحضارى ، الذي
بنت عليه أوروبا المتنكرة لحدوده , حين قفزت على الحضارة الإسلامية , بربطها حضارة
الغرب بحضارة اليونان وإسقاط الفاصل الزمنى لحضارة الإسلام التى أشرقت بعلومها ونور
إنسانيتها على الكرة الأرضية , وقت أن كانت أوروبا تعيش ظلامها الدامس فى كنسية ثيوقراطية
تحكم بصكوك غفران , وتعبد البشر لغير الله .
لقد آن لشعوبنا أن تعرف حقيقة
الدولة الدينية فى المفهوم الغربى الذى يعني حكماً كنسياً بغيضاً مستبداً , والدولة
الدينية فى المفهوم الإسلامى الذى ارتبط بإقامة العدل ,و المساواة بين البشر كل البشر
فى الحقوق والواجبات .
إن ما يمارسه إعلام ما بعد الثورة
ضد الدين فى نعته الإسلاميين بكل نقيصة وتلفيقه
التهم من غير دليل أو تبيين إنما يعنى أنه يكمل المهمة بوعى أو بغير وعى , تلك التى
تحض على كراهية الدين , حتى تكون هى الحائل دون وصوله يوماً للحكم , بربطه فى الذهنية ثنائية مكذوبة بين الإسلام والاستبداد حال وصول
الإسلاميين .
إنه لأمر غريب أن ُترتضى الديمقراطية
وسيلة ثم تصبح نتائجها مزدوجة المعايير حين تأتى بالإسلاميين .
لست أنزه الممارسات عن الخطأ
والخطيئة لدى بعض الإسلاميين كسلوكيات فردية وشخصية ،ولكني ضد حملة منظمة تمارس إقصاءً
للدين عن الحياة وكأن الدين هو العدو .
قد تكون هذه الممارسة الإقصائية
مفهومة أو طبيعية حين تأتي من المخالف فى الدين , ولكنها غير متفهمة ولامقبولة
من جيش من المسلمين يتسترون بالديمقراطية
وهم ينكرونها فى المحك الواقعى ,حين تكون الغلبة للإسلاميين من خلال اقتراع نزيه أو
استفتاء شفيف ، فتنكشف سوءات ادعاء الديمقراطية التى لا تحترم اختيارات الأغلبية الساحقة
فتقصي وتستبد بمخالفيها فى سلوك لن ينطلي على العامة فى ظل حرية، تنكشف على أعتابها حقائق الانتماءات , وطبيعة التحركات
ومصادر التمويلات ،وحينئذ سندرك يقينا أنها ثورة كاشفة لكل خبيئة مهما تسترت فالله
كاشفها ليميز الخبيث من الطيب ،في إعلام مرد على النفاق ، وطبع على الكذب ، لا يعترف
بأدب الخلاف أو شرف الخصومة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق