الأربعاء، 2 مايو 2012

كي نرتقي بالممارسة السياسية


بقلم : ماجدة شحاته
لا أستغرب مستوى الحوار حين يتدنى فيتحول إلى نوع من الخوار، إذ هو انعكاس طبيعي لمخرجات تربوية مسطِحة للعقول، ومهمشة للقيم في الواقع العملي، ولأن الواقع المحزن فرض أن يصبح الإسلاميون فرسان رهان سياسي، له مواءماته وأسراره وتوازناته، التي تُبرز الساسة غالبا على غير ما يُتوسم فيهم.

هذا المعترك، لو تواصل الحوار فيه على نفس المستوى المهرق لأمانة النقل، وصحة البيان، فلن يبُقي في آخره على قيم: شرف الموقف ونبل الخصومة حين تكون المحكات وحدها هي الدليل على مصداقية المبادئ.

إن العجز عن استلهام الإسلام في واقعه العملي والحياتي، وليس عالم الأفكار والتنظيرات هو راجع بالأساس إلى افتقاد الممارسة العملية لهذه المبادئ داخل محاضن التربية، ومن ثم تبدو غريبة عند المحك العملي الحقيقي الظاهر للعموم. وهو راجع أيضا لتضخم روح وطرق المنافسة السائدة في ميادين الحياة المختلفة والتي لم تكن في أغلبها تتسم بروح التجرد والموضوعية، بل تخضع لمعايير أخرى من غلبة الهوى، والعصبية بكل أنواعها مما انعكس سلبًا على الإسلاميين في ممارسة التنافس على رئاسة الدولة، بما يعني أن الطبع يغلب التطبع، وتكلف ما ليس من الطبع يصعب أن يكون سلوك قدوة .

الكل ــ إلا من عصم الله ـ يخطئ بلا هوادة، وينجرف بلا تعقل، وفي عملية التأكيد على الامتثال للقيم بالنصيحة يسقط البعض في مستنقع الافتراء أو الافتئات وحينئذ لا تنفع المعذرة .

الإسلام أعظم من أن يحمله أو يتكلم به من لا يستلهمه في دقيق وجليل مواقعه، ومواقفه.

هكذا المعترك السياسي يفضي إلى ما لا تحمد عواقبه حين لا تمارس السياسة بخلق الداعية وانضباط ووعي السياسي، ولا عزاء إلا للمخلصين الأتقياء الأخفياء الذين يٌروا الناس من أنفسهم خيرا، سلوكا وبيانا من غير تدليس، وإعذارًا من غير محاولة التمرير أو التبرير للأخطاء الصراح التي لا يمكن التغطية عليها أو التعمية عنها، في غير احترام لمنطق الراصد أو المتابع .

وهؤلاء يرون الأمور بعين التقوى والورع، لا بعين الهوى المتلبس بدلالات لن تلبث أن تسقط على محك الأحداث، تمحيصا وتمييزا .

إن دخول المعترك السياسي لم يكن سوى وسيلة عصرية فرضها منطق العصر، لتحمل تبعة الأمة في استعادتها دورها الحضاري ليكون الإسلام حاكمًا ومهيمنا ومنهج حياة بعد قرون من التغييب، وهذه الوسيلة لن تكون يوما غايةً في  ذاتها بحيث يترتب على ذلك فقدان الشعوب سمات وصفات وأخلاقا هي وحدها الغاية من عودة الإسلام حاكما .

هذا الإسلام الذي نريده حاكمًا لن تقبله الشعوب وبعض أو كثير من حملته يؤدونه أو يؤدون الأدوار كما يؤديها غيرهم، ويستنسخون الماضي الفاسد في ثوب له جدة غير أنه ينطوى على نفس الآفات والعلل .

وهو ــ أي الإسلام ــ إنما جوهر وجوده وغايته أن يحفظ على الإنسان ــ أي إنسان ـ كرامته وحقوقه: دينا وأرضا وعرضا بل حسا وشعورا، ألا ترى أن من أفضل الأعمال إدخال السرور على أخيك؟ ألا ترى أن من النواهي: النهي عن ترويعه؟ وكل ذلك مشاعر وأحاسيس تحفظ وتراعى وجوبا لا فضلا ولا منة. ألا ترى أن الغاية من بعثه صلى الله عليه وسلم الرحمة، ليست بأخيك لكنها للعالمين (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وهذه الرحمة ليست تلك التي انحصر تفسيرها العصري في الرقة والرأفة بالفقير والضعيف والعجوز والصغير، لا.. ولكنها رحمة بكل شئ تنعكس على الإنسان ارتقاء به، واحتراما وتكريما لإنسانيته، ورفعًا للظلم عنه، واعترافًا بقدره وإنزالا لمنزلته، واستيفاءً لحقه، ووضعه حيث يجب أن يكون.

هذا هو إسلامنا الذي نريده حاكمًا ومهيمنا، وما رصدته ويرصده غيري من تنازع الأتباع والأشياع والأنصار للإسلاميين لم يعكس في كثير منه صدق القيم والمثل، ترى ذلك وتحسه في الاغتيال النفسي والفكري والعقلي والتاريخي للإنسان.

إن توهم الخطر من طرف دون آخر، وتوهم احتكار القدرة والمهارة من طرف دون غيره، وممارسة نوع من الوصاية على الذات دون تحرير العقول والإرادات من تشوهات عقلية ونفسية رسختها حقب الفساد على مستوى الشعوب كلها، وما نجا البعض إلا بقدر، لكن يظل أسير وضع مترسخ، وواقع لم ينفلت عنه أو ينفصم  منه، مما يوحي بإمكان الخطأ والخطيئة، لاسيما في معترك سياسي قائم على الاجتهاد، لا النصية المقدسة الثابتة.

إن البشرية تنتظر عما ستسفر عنه السياسة عندما يمارسها الإسلاميون، وترقب وليس مصر وحدها ، كيف يصطرع الإسلاميون في معترك سياسي تتعدد أطرافه وتتنوع خيوط لاعبيه داخليا وخارجيا، ومن ثم تبدو الممارسة النظيفة والحوارات الراقية والوسائل النبيلة، وتنزيل قيم الخلاف في الاحتواء والاستيعاب، ومبادئ الشفافية والعدالة في الحكم والنظر، يبدو ذلك كله هو ما سيمايز الإسلاميين، وهو ما سيسجله التاريخ الذي لا يتأمل المواقف والأحداث إلا بعين النزاهة والتجرد، وحينها تبدو الأشياء وتسمى بأسمائها الحقيقية، ويعرف لكل صاحب فضل فضله في التجرد لله والنصح له دون مواراة أو مداراة، ابتغاء عرض من مكاسب لا يمكن تجاوزها وإلا فإن للواقع وللوقائع ألسنة تنطق .
--------------
طالع المقال على موقع : علامات أون لاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق