الخميس، 22 مارس 2012

ليس هذا مجلس استثناءات


بقلم : ماجدة شحاته
مع انعقاد جلسات مجلس شعب الثورة في مصر، والسير على أول طريق تحقيق مطالبها، نكون قد وقفنا عند نقطة فاصلة بين عهدين.

والبناء الجديد للعهد الجديد، ما لم يتم على أثر عملية تطهير جادة فإن بقايا الدنس التشريعي والقانوني ستظل ثغرات ينفذ منها العبث، من ذوي الضمير الميت، والذمم الخربة الذين يستحلون كل حرام .

لقد قام العهد الفاسد على أساس من آلية تنتج الحرام وتستبيح النهب، ومن ثم كانت القوانين وتعديلاتها تواكب هذا الحرام تسهيلا وتمريرا ، من أجل تكريس وضعية أريدت لمصر، لتضع مجموعات المصالح يدها على كل شئ ، فلا تدع ثروات مصر إلا وقد ضربت فيها بكل سهم، أما الشعب فقد حُكم بالحديد والنار استغلالا واستحلالا؛ فاتسعت مساحة الفقر، وزادت الهوة بين طبقتي الفقر والغنى دون حدود وسطى بينهما، فازداد الأغنياء غنى، وازداد الفقير فقرا، وتصرفت تلك الطغمة في ثروات مصر ومواردها كأنها ملكية خاصة دون أدنى اعتبار لحقوق أجيال ، أو بعدٍ قومي أو استراتيجي.

وضعية كهذه لا يمكن أن تكون آلياتها وتشريعاتها وسياساتها المختلفة صالحة إلا لعهدها وحقبتها، بما كان لها من أهداف؛ لأنها سهلت الحرام تجارة وكسبا، وتشريعا وتقنينا، ولم تخدم إلا على مصالح خاصة وحماية مكتسبات طغمة أثرياء النهب والسلب، وما كان من فتات يلقى به لإسكات جوع الشعب، نزر يسير لا تُبنى عليه حياة كريمة .

ربما كان يصلح في عقود الفساد أن يشغل المرء عدة وظائف وأن يكون مسئولا عن عدة مواقع، وله في كل مكان استحقاقات مادية وأدبية، فاستحلال الحرام واحتكار الثروة والسلطة أجاز لهذه الطغمة كل شئ ، حتى يُبقى على مصر سجنا كبيرا للطاقات، أما الآن فإن تحرير الطاقات وتوجيه القدرات أصبح واجب المرحلة، ولن يجدي أن يتم تجميع عدة وظائف أو مهمات في يد واحدة؛ "فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه".

طبيعة المرحلة تفرض منطقها مهما كانت ملكات الفرد الواحد، أن يسخو بكل جهده في مهمة يجيدها ويتقنها، من أجل التخصص والتفرغ للهم الواحد والمهمة الواحدة.

مضى ذاك العهد الظلوم، بكل استثناءاته الغشوم ولا يليق بمن يريد البناء الحضاري الناهض أن يستدعي القديم، أو يستلهمه إلا بعد بحث ودراسة للنظر في مدى جدواه على مسيرة البناء تبطيئا أو تسريعا، إنجاحا أو إفشالا، ففلسفة القديم على النقيض منها في الجديد؛ هدفا ونظرا للأرض والإنسان الذي يستعمرها، ومن ثم تختلف الآليات وتختلف معها التشريعات.

إن بداية العهد لابد أن تكون بتجريف الأرض وتنقيتها ثم تهذيبها بحيث لا يبقى أثر لتخريب أو تدمير أحدثه فساد طاغ كان بالتراضي بين نخبه وطغمته .

وإن الاستهانة بشوائب الماضي بالإبقاء عليها أو الاسترشاد بها ظنًا بخفة تأثيرها، وثقةً بقدرة بناة النهضة على تجاوز سلبياتها، وحسن توظيف نقيضها هو نوع من التعامي عن مقتضى الجديد، والعجز عن الانخلاع بالكلية عن القديم، وكأننا لم نكتوِ بنار ظلم وإفقار واحتكار وتجهيل وإمراض، نار أحرقتنا فاستحلتنا كرامة وحقوقا وآمالا وطموحات، فلم نكن في عداد الإنسان نفسا وعرضا ودينا ومالا وعقلا ؛ إذ لم يفلت أيها من استهداف سياسات الماضي بالتخريب أو التغييب.. ومن ثم فحاجتنا لإفراغ الوسع وبذل كل الجهد في المرحلة القادمة، واستنهاض وتوظيف كل الطاقات على اختلافها هي حاجة ملحة من أجل توسيع رقعة توظيف الطاقات البشرية المتعددة والمتنوعة، ومن أجل إيجاد فرص عمل متكافئة للجميع، حتى لا يشعر أحد بغمط حقه أو بخس قدرته، أو تعطيل طاقاته ، وتحجيم إبداعه، أو أن يشعر الآحاد من الناس أن إدارة المرحلة حكر على وجوه بعينها أو قوى بذاتها، ومن ثم فلا مكان في مجلس شعب الثورة المنتخب بإرادة حرة، وانتخابات نزيهة لم تعرفها مصر منذ عرفت الحياة النيابية، لا مكان لمجلس له هذه الخصوصية في الاختيار، والخصوصية في الظرف والتكوين، لأي إجراءات كانت مقننة من قبل لوضعية أُرِيدت ، ولا مكان في مجلس شعب الثورة الحر لاستثناءات جاءت نتيجة نظرة مستخفة بدور المجلس التشريعي والرقابي.

من هنا جاءت موافقة المنصة على استثناء بعض النواب من التفرغ، مفاجأة صادمة، إذ المهمة جليلة، والغاية نبيلة، والتركة ثقيلة، تنوء بها الأوقات والجهود، وطبيعة المرحلة مغايرة لما كانت مصر عليه بالأمس، ومقتضى المرحلة أشد وجوبا لتكريس الطاقات والأوقات فلا تكون الأوقات مشتتة ولا العقول مثقلة، فالإبداع في أي مجال يحتاج إلى تفريغ من شواغل وهموم، فكيف بأعمال ومهمات مختلفة ومتباينة؟ وكيف بسلطة تشريعية ورقابية هي إحدى ثلاث سلطات تمثل ركيزة البناء الحر؟

إن مجلس شعب الثورة لن يكون فيه مكان لكسول، ولا موقع لخجول، ولن يبدع فيه من يعطه من وقته الفضول، إذ كيف تُؤدى المهمات الجسام في مرحلة تأسيس وبناء لدور تشريعي ورقابي على نحو غير مسبوق، ونائب الشعب موزع الأدوار والوظائف والاهتمامات .

فليتفرغ أستاذ الجامعة لطلابه، فالمهمة التعليمية والتربوية تحتاجه، وليفرغ المشغول بهموم جامعته أو نقابته أو مؤسسته، كل لمهمته، فالإنجازات المطلوب تحقيقها أكبر من طاقاتنا منفردة فكيف وهي موزعة، والطموحات المتوقعة أطول من أعمارنا وأوقاتنا.

إنه لمؤشر محزن أن نجد هذا العدد من النواب يطلب الاستثناء من التفرغ كليا أو جزئيا لارتباطه بأعمال أخرى أو مهمات أخرى، ولا أدري على أي أساس رشح نفسه إن لم يكن ينوي التفرغ مستشعرا ضخامة المهمة، ولا أدري كيف نبقي على استثناءات قننها الفساد استخفافا بالمهمة ومحاولة لخدمة مصالح نواب الفساد؟

أعتقد أن هذا نوعًا من استنساخ الماضي بشكل لاإرادي، مسلم به دون نظر لطبيعة وأبعاد وجوده، ولا ينبغي التعاطي مع الماضى دون تمييز من حيث تأثيره السلبي في مقتضى القادم، ومن حيث إسهامه في تحول حضاري جدير باستنبات مبدع، يستبعد سلبيات عطلت طاقات الأمة، ومهمة اليوم تحريرها نحو الانطلاق والإبداع .
--------------
طالع المقال على موقع : علامات أون لاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق