الخميس، 22 ديسمبر 2011

الثورة المصرية تحديات واستحقاقات

بقلم : ماجدة شحاته
عندما ينخر السوس في مخزون غلة ما ، لطول التخزين ، وسوء التهوية ،فإننا لا نستطيع أن نزعم سلامة مساحة ما من هذه الآفة ، لكن يمكن القول بأن بعضا من حباته قد استطاع الصمود ضد عوامل الفساد ، فلم يصل إلى قلبه وعمقه شئ منه ، إلا رائحة علقت به أو بعض ذرات استقرت عليه من خارجه ، نتيجة الاختلاط والتداخل .

 وهكذا الأمر بالنسبة للنظم والدول ، حين يستقر الفساد كمنهج حكم وأسلوب إدارة لكافة شئون الحياة  ، فإنه لا يمكننا فصل قطاع من قطاعات الدولة أو هيئة من هيئاتها عن تأثرها بمنظومة الفساد ، بحيث نزعم أنها ظلت بمنأى عن هذا الفساد طيلة عقود ، اتسم الفساد فيها بالتراضي على كل الأصعدة ؛ ليصبح من في منأى عنه مجموعة من الأفراد على المستوى الشخصي من ذوي المعادن الكريمة ، الذين نأوا بأنفسهم عن الانغماس في تلك المنظومة ، إما إبراءً للذمة من حرامٍ يمارس أو قياماً بواجب لزوم معسكر الحق أمراً بالمعروف أو نهياً عن المنكر؛ ثقةً بواجب النصح ويقيناً بعاقبة التقوى.

وإن نظاماً عاث في الأرض فساداً أو إفساداً تكشَّف حجمه مما لا يصدقه عقل وبما لا يفسره واعً أو مخلص إلا في سياق عمالة وخيانة للأوطان مدفوعة الثمن من ثروات الوطن وخيراته ومن كد الشعوب وعرقها ، فلا جدال إذن في أن فساداً ترامت مساحته إلى هذا الحد ، لا يمكن أن يكون قد استوطن المكان بما فيه وبما عليه من بشر وشجر إلا وقد أتيحت لتمدده كل الظروف ، وتهيأت للسماح به قيادات لم تدع مجالاً إلا ووطنته بكل الطرق ، ولم تكن سياسة الإفقار والتجهيل والإمراض إلا وسائل سهلة بها تمدد الفساد حتى باض و أفرخ ؛ ليكون سمة نظام حاكم ، وأسلوب إدارة نافذة ، ندر أن تفلت منها خطة إصلاح ، أو تصعد معها عناصر صالحة ، إنه ليس اتهاماً ولا إثارة للشبهات حول هيئات أو مؤسسات ولكنها الحقيقة المرة التي وضعت مصر في ذيل قائمة نسبة أعلى فساد بمعايير الآخرين ، ثم تأتي الثورة ليُرى الفساد من الضخامة بمكان ، بحيث لا يمكن معه تصديق أن ثمّ من أفلت منه ، أو تمرير ـ على استحياء أو بجاحة ـ أن ثم هيئة أو مؤسسة لم يفرخ فيها الفساد.

ومن المعلوم بالضرورة أن فساد النظم الحاكمة لا يمكن أن يستقر لعقود مخرباً و مدمراً لوطن ما ، إلا إذا كانت المؤسسات السيادية ، التي تتصل بحماية الأمن القومي والوطني على توافق على اقتسام غنائم بيع الوطن ؛  ليصبح الوطني في كل مؤسسة لا يسمن ولا يغني من اعتراض أو رفض ؛لأن منظومة الفساد استحكمت حيث لم يعد يجدي معها في وقت من الأوقات صراخ المخلصين أو عويل الوطنيين على وطنٍ بيع بأبخس الأثمان.

ولأن الثورة وضعت الشعب كله على حجم الفساد ، بحيث لم يعد بحاجة إلى تعريف أو توصيف ، ولأن الثورة ليست حاكمة أو مهيمنة بل أسلمت قيادها ــ طوعاً أو كرهاً ــ لمؤسسة كانت هي الأجدر بالانفجار في وجه الفساد أو الحيلولة دون تغلغله على ذلك النحو الفاضح ،غيرَ أنها لم تفعل وتواءمت معه ككثيرٍ غيرها كل بحسب ما لديه من قابلية أو ممانعة بما ستكشف عنه الأيام ، ولأن القوى السياسية أغلبها من مخرجات تربوية وتعليمية وإعلامية لنظام مستبد وفاسد بل وفاجر أيضاً ، فإنها ارتضت من الغنيمة "الثورة"  بالإياب من التحرير دون أن يكون منطق الثورة هو المهيمن والمسيطر ولأن ذلك كله حدث في غفلة ممن تصدر المشهد السياسي ، فقد أُرِيد للثورة ومطالبها أن تمر بمنحنيات ومنعطفات مفتعلة ومصطنعة ، تريد أن تفرِّغها من مقتضاها وتأثيرها ،  تريد أن تعود بها للوراء ؛ لتكريس صورة أريدت وهي: تحقق الاستقرار مع الاستبداد والفساد ، وانتفاء ذلك مع الثورة والتغيير.

ننسى ونحن نرى المشاهد مرتبكة ومربكة ، والأحداث مؤسفة ومدمرة أن الثورة لم تكن يوما في أيدٍ مؤتمنة ، ومسارات الأحداث لا تحتاج لتفصيل ، وحسب الانفلات الأمني  دليلٌ على المؤامرة ؛ ليغدو الخوف وحده هو الهاجس الذي يؤرق الشعب ، بحيث يضطره لاختيارات لا تعكس إرادته ، تحت وطأة أمن تم تغييبه عمدا ، وتركه على انفلاته لتكون استباحة الأوطان والأعراض أمرا متاحا على هوى أعداء الوطن في الداخل والخارج للعبث به من غير مساءلة أو مراجعة  .

إن ثورة يخلص لها قوادها ،لا يمكن أن تسير في المسارات الصحيحة المنجحة والمحققة لمطالبها التي قامت لأجلها، إلا أن تقف أولا على أرض صلبة من التعجيل

بتحقيق الأمن الداخلي والخارجي وفق تصور يقوم على مقتضى ثوري يؤهل ويصنع كوادر وهياكل عمل لامست الثورة ضمائرها وشغاف قلوبها ، لا أطراف ألسنتها أو أوتار حناجرها ؛ فتنطلق مؤمنة بثورتها ، مخلصة لها ، ممكنة لمقتضاها في واقع البلاد والعباد ، وشئ من ذلك لم يتحقق لأن سوس الفساد لا يزال ينخر بالوطن ، ويأبى أن يدعه دون أن يدمره كله ..ولله الأمر من قبل ومن بعد والعاقبة للتقوى ..
-----------------
طالع المقال على موقع : علامات أون لاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق