الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

على هامش حوار فضيلة المرشد على قناة "المحور"


بقلم : ماجدة شحاته
يظل الحوار آسرًا ومؤثرًا عندما ينضبط بأدبه، فترقى لغته وتتهذب كلماته، وتتزن انفعالاته وتقوى حجته، ويسهل استدعاء دليله وبيانه؛  فتنضبط العبارات وتسمو الدلالات، وهكذا يصبح الحوار مع فضيلة المرشد: هدوء لا يبعث على ملل، وردود لا يتطرق إليها خلل، ونفسية سمت فخلت من علل.

وما فشلت حوارات الإسلاميين في إعلامنا إلا نتيجة اختلالات نفسية، واعتلالات تتصل بالطبائع البشرية، فلا تكاد تنبئ عن رقي ذوق، أو اتزان عقل، أو سمو روح، أو أدب نفس أو علو حس، فتجد نفوسًا سرعان ما تُستفز، فإذا اسُتغضبت علت الأصوات بالصراخ، لا بالبيان الصراح، وتشنجت فلم تلقِ بالاً لهيئة أو تعابير وجه، يعلوه عبوس لا يدل إلا على حنق النفوس؛ ما يبعث على كراهة السمت، التي تنسحب سلبيًّا على كراهة الدائرة التي ينتمي إليها.

لكنك حين تلقى فضيلة المرشد محاوَرًا- بفتح الواو- فإنك تجد شيئًا آخر، يُغريك بالإنصات وإلقاء السمع رغبةً في المزيد، وقد أحببت منهجية ينتمي إليها، واحترمت تيارًا ينتظمه.

وفي حوارٍ فضيلته الأخير على قناة "المحور" نجد فضيلته، وقد وضع النقاط على الحروف في كثيرٍ مما ألبسه الإعلام عن الإخوان وحزب الحرية والعدالة، ولعله- وهو مرجعية الجماعة- وفي هذا التوقيت الحرج، قد أسدى معروفًا لقاعدةٍ عريضة، لا يقنعها إلا بيان من شخص في الجماعة على مستوى قمتها في حجم فضيلته.

لقد كانت الردود واضحةً، مقنعةً منطقيةً بسيطةً سهلة، أخذت طريقها لمنطق وعقل المشاهد مهما كان مستوى فهمه، بحيث لم تَشكُل على أحد، أو تُثير ارتيابه، بل سكَّنت نفوسًا، وطمأنت قلوبًا، واحترمت منطقًا وعقولاً، فلم تستخف أو تُكابر.

ربما تعجَّب البعض من تصريح فضيلته، بأن حزب الحرية والعدالة هو الابن بالنسبة للجماعة الذي ستظل أمه "الجماعة" تحمله على كتفها حتى يبلغ رشده ويؤدي رسالته.

لم يخطئ فضيلة المرشد في التشبيه، ولم يبالغ في التوصيف ولم تخُنه العبارة حين كشف عن حقيقة الصلة بين الحزب والجماعة، ولم يسئ الفهم كما يزعم البعض، حين يتصور أن ثمة فصامًا ينبغي أن يكون بين الحزب والجماعة؛ بدعوى أن الأول سياسة والأخيرة دعوة، ربما يُظن أنها ينبغي أن تكون في منأى عن فطنة السياسة، ومما تتطلبه من كياسة "دبلوماسية".

والحقيقة أن مَن يدرك حقيقة السياسة في التصور الإسلامي لا يستغرب وجود هذه الصلة الوثيقة بين الجماعة "الدعوة" والحزب "السياسة"، فليس مطلوبًا أن يتجرَّد السياسي من قيم الداعية، أو يكون الداعية مجَّردًا من فهم السياسي ووعيه وإدراكه، وليس مطلوبًا ألا تنتظم كلاًّ من السياسي والداعية قيمٌ ومثلٌ ومبادئٌ عند التعاطي مع المجتمع، كلٌ في ميدانه.

لقد تصوَّر البعض أن للحزب قيمًا وللجماعة قيمًا أخرى، وكأنَّ السياسي حين يغادر دائرة الدعوة لممارسة العمل السياسي عليه أن يخلع عن نفسه ما تربَّى عليه من قيم البر ومبادئ وآداب التواصل الإنساني، وهذا تصور خاطئ يفصل بين ميداني الدعوة والسياسة حين يظن أن الدعوة تفتقد الفهم والوعي والإدراك، والقدرة على التحليل والاستقراء، وحين يتوهم أن السياسي تحَجمه عن الحركة قيمُ الدعوة وأدبياتها التربوية.

إن تصورًا كهذا لا بد أن يدحضه الإسلاميون، وهم يتصدرون المشهد السياسي، وفضيلة المرشد حين حدد هذه الصلة بهذا العمق؛ وذلك التواصل الممتد الذي لا ينقطع، إلا بعقوق لا تُحمَد عواقبه، وتَنَكُّرٍ له مثالبه، فإنه يؤكد شمول الجماعة والحزب بنفس القيم والمثل لا تنازل عنها أو تخفف منها عند الانطلاق في ميدان السياسة، وأن أمومة الجماعة للحزب لا تعني غلبة العاطفة التي يختل معها ميزان التفاضل في التقديم أو التأخير.

إن أمومة الجماعة للحزب لا تعني سوى العدل في إتاحة الفرص للجميع،  كل بحسب طاقته وقدرته، كما أنها ليست إلا إسقاط معايير الجودة النوعية، والمواصفات القياسية على الجميع؛ ليقف كل فردٍ على ثغرته التي يجيدها، ويحسن مهارتها وفنونها على نحو متجرِّد؛ يُنزل الناس منازلهم ولا يبخس الناس أشياءهم أو أقدارهم.

إنها أمومة العطاء والنصح التي لا يتطرق إلى أي منهما شكٌ في إخلاص الوجه وتمحيص القصد، ونبل الغاية وتجرد الوسيلة.

لقد أُلِهمَ فضيلة المرشد التعبير، وعلى الجميع أن ينتقل به إلى التحرير في ميادين العمل والتنفيذ.
--------------
طالع المقال على موقع : إخوان أون لاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق