الخميس، 29 ديسمبر 2011

القوى السياسية في مواجهة تحديات قادمة


بقلم: ماجدة شحاته
منذ عدنا من التحرير يوم التنحي، وأنا أستشعر الإثم في حقِّ ثورة أزاحت طواغيت الفساد، فما كان للتحرير ميدانها أن يُترَك إلا بشروط وضمانات واستحقاقات، تتفق طرديًّا وتحقيقها على أرض الواقع.

ما زلت أذكر لحظة التنحي ونحن بالميدان نسجد لله شكرًا، إذ الخوف يتملكني من ترك الميدان دون أن تحدد القوى السياسية الموجِهة إستراتيجية ضامنة لتحقيق مطالب الثورة، وتحكيم منطقها والعمل بمقتضاها، وتحديد مسارات وآليات التنفيذ.

لم يكن خوفي من القادم بأقل من فرحي بالتنحي، لا لشيء إلا لإدراكي حجم الفساد الذي وصلت إليه مؤسساتنا على أعلى مستوى فيها؛ فمؤسسات تسمح بتغلغل الفساد إلى حدِّ بيع الوطن، هي مؤسسات ستظل غير آمنة ولا مؤتمنة على الثورة، التي ستطيح وتجرف في طريقها كل عوامل الفساد وآليات الاستبداد؛ فلم تكن أجهزتنا يقظة ولا منتبهة ووطننا يباع، وشعبنا كاد أن يباع في سوق نخاسة الأعضاء البشرية جهرًا بعد أن بيع سرًّا في كثير من حالات الفقر والمرض، ومع إدراكي لحجم المؤامرة على الأمة واستهدافها كان حجم تخوفي من العودة دون أن تحدد النخب السياسية الثورية تشكيلاً، يكون وحده المحترم والمعتبر في تحديد وتقرير مسارات التنفيذ، وارتهان الميدان لحساب الثوار بحسب مؤشر استقامة المسارات وأمنها وأمانها على سلامة الوطن.

ما زلتُ أحس بغصة كون منصة التوجيه من قبل النخبة الثورية، لم تكن على قدر هذه الحسابات المستقبلية، وتقدير حجم المخاوف من الأشاوس صنيعة النظام وأعوانه وأصحاب المصالح، التي تضخمت وتشابكت مع غيرها في الداخل والخارج على مدى عقود، فأنَّى لها أن تخلص لثورة موجبها: استئصال شأفتها، وقطع دابرها، ورد الحقوق لأصحابها.

فكلما انحرفت المسارات وأُدخلت مصر الثورة في منعطفات آثمة تُصنع وتُدبر بليل، وتُدار بأيدٍ نافذة، لا تزال في مواقعها متسلطة، من خلال كلاب مسعورة لا تشبع إلا من لحوم الوطن، ولا تتجرأ إلا عليه، وتجبن عن غيره.

كلما تابعت ذلك تأكد لي أن الاستمرار في تنفيذ خطة الانفلات الأمني ما هو إلا مؤامرة على مصر الثورة  لتغدو حِلاًّ مستباحًا.

تسمرت أمام شاشة "الجزيرة" ساعات ينفطر قلبي وأنا أرى مؤامرة على مؤسساتنا تبث مباشرة، دون أن يتحرك جفن أمن أو شرطة للحيلولة دون تدميرها، ودون أن يتحرك الأفراد لحماية المنشآت مهما يكن الثمن، فأُحرق المجمع العلمي على مرأى ومسمع من الجميع، وعلى الهواء مباشرة كأن بني صهيون قد استهدفوه براجمات لا قبل لأحد بها.

انفطر قلبي لأني عشت لحظة سقوط بغداد وتابعت السفهاء من المرتزقة وهم ينهبون كل شيء ويخربون كل شيء، وما يحدث في مصر لا يمكن أن يكون غير ذلك المخطط، ولكن بوسائل أخرى مصطنعة ومفتعلة يتم من خلالها تخريب مصر وطمسها أثرًا ومعالم وتاريخًا موثقًا.

إن إدخال مصر في فوضى مختلقة من أجل تسليمها لحكومة الثورة خرابًا يبابًا، هو هدف لا يمكن استبعاده، وتظل القوى السياسية في سذاجة من تفكيرها حين تظن أن مصر الثورة ستُسَلَّم لها لقمة سائغة، تُدار من خلال حكومة مختارة ورئاسة منتخبة.

من السذاجة أن تحسن هذه القوى الظن إلى حدِّ تمرير هذه المؤامرات على مصر من خلال تلك الأحداث التي تفسرها إدارة المرحلة الانتقالية بما لا يصدقه عقل، وبما لا يحترم منطق الوقائع والحقائق والأشياء، بما يعني أن ثورتنا كاليتيم على مائدة اللئيم، وما لم تحسم هذه القوى موقفها من إدارة المرحلة الانتقالية ومطالبتها بتوضيح الصورة على حقيقتها حتى لا يترك الشعب نهبًا لبيانات كاذبة وأحداث مربكة تحاول تفريغ الثورة من دلالاتها النفسية الإيجابية لدى الشعب، بخلطها الأمور، وتلبيسها المواقف، وتضليلها الرأي، فما لم تبادر هذه القوى السياسية بوضع الأمور في نصابها الصحيح بمصداقية وتجرد وحسم وحزم فإن الشعب في لحظة ما سيكون على خصومة معها، خصومة يصنعها إعلام ماكر وإدارة للبلاد لا يُعرف لها دليل صحيح على انتماء للوطن وخوف على مصالحه، أو تجاوب مع مقتضى ثورته.
--------------
طالع المقال على موقع : إخوان أون لاين 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق