الأحد، 24 أبريل 2011

إرث الفساد وضرورة الاتحاد

بقلم : ماجدة شحاته
الله سبحانه وتعالى كرّم آدم على كثير ممن خلق ، وفضله تفضيلاً كثيراً ،فخلق له الكون كله وسخر له ما على الأرض ليمكن لهذا الإنسان أن يؤدي مهمته التى خُلق من أجلها ألا وهى الاستخلاف وعمارة الأرض بما يصلح الدنيا والآخرة، ووضع منهجا لتحقيق العبودية له سبحانه فخط خطوطاً وحد حدوداً ثمَّ أطلق له العنان ليبدع فى أداء مهمته دون تجاوز أو اعتداء .

إذن فالإنسان هو الهدف من حيث التشريع والتكليف وهو الهدف من أجل التكريم والتفضيل .

وهكذا فهمت النظم الحاكمة فى كل عصر ، وعلى قدر ما حفظت من كرامة الإنسان كُتب لها البقاء والاستمرار ـ وعلى قدر ما تخلفت عن ذلك وتردت بالإنسان حقوقاً وكرامة تهددت وتهاوت مهما استحكم استبدادها ، فالإنسان الحر يأبى  ـــ مهما استطال أمد استعباده ــ أن تنتزع حريته أو تهان كرامته .

 والله سبحانه وتعالى لم يكن ليكلف الإنسان الإ بحسب وسعه   فهو أعلم بخلقه ما يصلح وما يفسد ، وضمن له عند الاتباع الفوز فى الدنيا والآخرة ، وعند المخالفة والابتداع  والشقاء فى الدنيا والأخرة .

" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" يبين الأوامر والنواهى ويعرِّف بما للإنسان من حقوق وما عليه من واجبات ، ومقاصد الشريعة أن تستقيم حياة الإنسان بما يحقق العدل والحرية والمساواة للناس كل الناس على اختلاف ألوانهم ولغاتهم ودينهم من غير تمييز .

وتاريخ الإسلام شاهد على انصهار كل الملل والنحل فى بوتقته تعايشاً آمنا دون تصادم أو تهميش ، فلكلً حقه من غير تمييز ، فقد قوضي علي رضي الله عنه وهو أمير المؤمنين من يهودي فحكم القاضي لليهودي ،لعدم قدرة الأمير الإمام على إثبات حقه بالدليل فآمن اليهودي لأن دينا يسوى بين أتباعه ومخالفيه أمام القانون هو دين جدير بالاتباع .

ولا يسن الإسلام قانوناً حتى ينتزع كل سلطان يحول بين الإنسان وبين وقوعه تحت طائلته ،أى رفع كل موانع التنفيذ والتطبيق ، وإلا عُطِّل حتى تزال تلك الموانع ، وعند اختلاف الفهوم يصبح تحديد جهة بعينها تمثل جهة اختصاص وتكون محل ثقة الجميع فى التحاكم  إليها مثل الأزهر الشريف يصبح وجودها ضرورة حتمية لإنهاء كل خلاف وتجميع الأمة على ما يحقق مصالح الإنسان وفقا لشريعة الإسلام التى ارتضتها الأمة .

ونحن بعد الثورة المباركة صارت الأمة غرضاَ للمشكك والمتحامل وهدفاً للانتقاص والتعويق ، من لدن أحزاب وتيارات وإعلام كل يريد أن يفرض وصايته ، حتى لو لم يكن لفكرته امتداد فى الشارع ولدى شعب قادر على تحديد اختياراته واتخاذ قراراته.

وفى ظل الحملة المنظمة ضد الإسلام ،يصبح الأزهر بأصالة اجتهاده وعمق جذوره فى الوجدان المسلم مرجعية للجميع عند الاختلاف ومن ثم الخضوع والتسليم لما يصل إليه من تقرير وبالتالى الخروج من دائرة الاتهام للإسلاميين والترهيب من الإسلام ممثلاً فيهم ، وعليه يتم الاجتماع من كل القوى حول بناء مصر الحرية والعدالة والمساواة .

ولا شك أن الطريق طويلة فإرث حكم الاستبداد ثقيل وإزالة آثار استنزاف مصر مهمة ليست سهلة بل تواجه تحديات كبيرة ،فثم أمية ضاربة بأطنابها فيما يقرب من نصف الشعب ، وثم فقر اتسعت مساحته حتى نزل عن خطه نصف الشعب أو قريباً منه ، وثمَّ طمس لهوية الشعب ، وتذويب للقيم والمبادئ والأخلاق مما انعكس سلبياً على سلوك وعلاقات ، إذ مورست عملية تفكيك للمجتمع كما لم تمارس من قبل .

لقد استُهدفت مصر فى كل شيء وأُطلقت يد الفساد لتفسد كل شيء فيء مصر حتى شربة الماء وكسرة الخبز لم يسلما من يد الفساد ، إذن مصر ليست بعافية  ولكن مع البناء الجاد يمكن التعافي من غير آثار جانبية ، وتسريع خطى الإصلاح ممكن فيما لو توحد الخطاب الإعلامي فى توجيه الطاقات وبث الوعي بحيث يصبح الإعلام خادماً على خطة استراتيجية للإنقاذ ، بدلاً من تصديع الرأس فى استدعاء ما ليس وقته ولا مكانه ، فإذا كانت تركة الفساد على تلك الشاكلة فهل يكون المقام مقام تطبيق الحدود أو إثارة جدل عقيم حول تقديم أو تأخير الانتخابات أو رؤية مصالح مصر بعيون خارجية.؟!

إن الإسلام لم يصنع تلك التركة وهو برئ من الإسهام فيها بأي نصيب  لأنها ما تكونت إلا فى ظل تغييبه وتنحيته عن الحياة وحين تستطيع مصر المسلمة أن توحد جهود أبنائها فى القضاء على الأمية وتقليص مساحات الفقر ، ونشر ثقافة الفضيلة والانتماء ونشر الأمن والأمان وتحقيق حد الكفاية والاستغناء وكفالة المحتاج ، أى عندما يتحقق للإنسان المصري حقوقه السياسية والاقتصادية بما يحقق التمايز فى مستوى الرفاه لا مجرد المساواة فى حد الكفاية وحدها ، عندما تتحقق فرصاً متكافئة وعدالة متجردة وعندما تعود لمصر شخصيتها الحضارية بمعايير القوة المادية والروحية عند ذلك يصبح الحديث عن المختلف فيه حديث الساعة فذلك أوانه ومناخه وظرفه المناسب بل يكون له مبرره ومنطقه .

أما  و المرحلة مرحلة التفاف واصطفاف من أجل البناء وحده، ذلك البناء المتحرر إلا من إرادة وطنية مستقلة فإن من يصرف مصر عن مهمة التطهير من دنس الفساد والبناء على جديد حر جاد هو إصبع خفية لا بد أن تُستأصل حتى تسلم مصر ويسلم معها الشعب من المعيقين للسير المعاقين فكرياً عن الاندماج فى خطاب موحد فقد ألفوا العزف النشاز . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق