الجمعة، 22 أبريل 2011

نعم سنقيم الحدود ولكن !

بقلم : ماجدة شحاته
نجح الثوار فى اضطرار النظام إعلان رحيله ، وبالتالى التمهيد لترتيبات غير مفروضة ، تستعيد بها مصر شخصيتها الحضارية التى سُلبت منها منذ ثورة منتصف القرن العشرين آى منذ رحيل المحتل الأجنبى . وبداية الاحتلال بالوكالة عنه ، لقدتم تفكيك مصر لتصبح تحت أى ظرف غير قادرة على العمل والتأثير، هكذا كان التخطيط يقوم به حكام أقل ما يوصفون به أنهم عملاء خونة لله وللدين والوطن ، ولكن شاءت إرادة الله الغالبة أن تتحول مسارات الأحداث إلى ثورة عارمة ، على أرض مصر كلها من أقصى جنوب الصعيد إلى أقصى الشمال طولاً وعرضاً ،انتظمت كل شرائح الشعب على اختلاف التوجهات والانتماءات والمراحل العمرية ، حتى إن الأطفال دفعوا ثمنا لهذه الثورة ، إذ أصبح أول شهيد فى السويس صبياً لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره .

إذن فهى ثورة ربانية ، صنعها الله على عينه ، وجاءت على قدر منه سبحانه ، بعد ما جاوز الطغيان مداه ، وصارت الأمة كلها أهون على قوى التجبر من جناح بعوضة ، بمخطط إحاطة الأمة من كل جانب تم تنفيذه من خلال أنظمة عميلة ، وغدت الأمة كالمعصم يحوطه سوار القواعد العسكرية برا وبحراً وجواً .

احتُلت العراق وأفغانستان، ودمرت الأولى لتتخلف عن ركب الدول مئات الأعوام ، ومُكن لطائفية بغيضة يدفع السنة ثمنها وحدهم .

وكادت الأمة ــــ كما هو مخطط ــــ أن تقع ثانية تحت سايكس بيكو جديدة ، لتفكيك المفكك وتجزئ المجزأ ، لتتم السيطرة والهيمنة بشكل أتمَّ.

هكذا كانت مسارات القوى الصهيوغرب أمريكية ، ولكن الله القادر وحده، يأبى إلا أن يرفع عن الأمة  ما هي فيه من استضعاف وهوان ، فكانت البداية تونس ثمَّ مصر كنظامين يمثلان النموذج فى إحكام القبضة على الشعوب ، وإسقاطهما هو الفتح الذى على أثره سيكون الخروج من الدوران فى فلك التبعية والعمالة ، وقد كان فى اليمن ثم ليبيا وسوريا والحبل على الجرار بمشيئة الله تعالى ، والثورة فى تونس ومصر صنعة الله ، فهى منزهة عن الولاء لقوى بعينها ، فليس لأحد عندها دينٌ يطرف عينها بل هى متحررة من أى قيد يُملىِّ عليها أو يوجهها ، لذا هى فى منعة وحماية من وصايةأي قوى ، وهذه هى البداية لإدارك قيمة هذه الثورة وتقدير أوان مجيئها ، لقد فتح الله بها  الأبواب المغلقة ليكون القرار من الرأس ، وترتيب الأولويات بحسب معطيات الواقع ، ويكون العمل بموجب الثورة هو الأولى بالاتفاق والتعاون والاتحاد .

ولأنها ثورة ربانية حفظها الله من جبروت الداخل والخارج حتى أطاحت ببعض رؤوس الفساد فقد آن لنا ولجميع المصريين أن يحمدوا الله على ما رزقهم من نعمة الثورة فلا يختلفوا حولها ، ولا يتنكروا لفضله سبحانه ، حتى يقدموا كل الخونة لمحاكمات تؤمن بالثورة ، سبيلا ربانيا لإزاحة كل الطواغيت ، التي استبدت فأفسدت واستعبدت .

فلولا فضل الله ورحمته لكان لهذه الثورة مسارُ آخر يعود بمصر وشرفائها إلى انكسار يرسخ الفساد ويكرس الاستبداد  آماد طويلة ، ولحزت رقاب ما كان يرقب فيها إلٌ ولا ذمة ، ولكن الله أعلم حيث يجعل رسالته ورحمته .

هذه حقيقة وعاها من وعاها ، وغض طرفه عنها من تبرأ من روح التحرير ، وخلع عنه نقاء القصد ونبل الغاية ، فى  ادعاء شرف الوطنية ، وهو يريدها دولة بلا دين ، أو على استحياء يلبس باطل مايريد حقاً حين يطالب بتنحية الدين عن مسارات العمل السياسى وهل ثمَّ دولة تسير بلا مرجعية ، تنطلق منها وتحدد سياستها وأهدافها الداخلية والخارجية ؟!

إنه افتراء عظيم أن يًتهم  الإسلام بما ليس فيه وينسب إليه ما ليس منه ، وأعجب شئ  أن من يفعل ذلك فى خصومة مع الدين على طول الخط ، فليعلنها صريحة ولا يتدثر بعلمانية أو ليبرالية ، وليعلم أننا دولة عربية مسلمة ذات أغلبية عظمى مسلمة ، ومن حق هذه الأغلبية أن تُحكم بشرع ربها ، وألا يُفرض عليها قانون يصادم ثوابت دينها ، من حق هذه الأغلبية أن تستمتع بما فى دينها من ضمانات تكفل للإنسان ــ كل إنسان بلا تمييز أو استثناء للون أو دين أو لغة ـــ الحرية والكرامة والحقوق السياسية والاقتصادية ، من حق هذه الشعوب أن يُحترم اختيارها ، وأن تكون رؤى رقيها ونهضتها ومنهجها نابعة من تقدير الأبناء الشرفاء فى كل الهيئات والمؤسسات والميادين ، وليس من إملاءات ممولة ، ومطالبات موجهة ، تريد أن تجعل الأغلبية تستشرف مستقبلها وتحيا بشروط إخوةالأرض والوطن في تخوف غير مبرر، وتحسس غير متفهم إلا في سياق نمسك عن توصيفه .

لقد شبت الأمة بهذه الثورة عن الطوق ، وهى قادرة على الاستغناء عن نصائح من هنا أو هناك لم تكن تأتى يوماً إلا للإبقاء على الاستبداد كلما أمكن ، فكيف يوُثق بها ؟!

آن الأوان كيلا نستحى من الحق ، وألا ننكر ضوء الشمس من رمد بالعين أو خلل فى القلب وهى أن هذه الأمة مسلمة من المحيط إلى الخليج وإسلامها يجرى فى عروقها من الوريد إلى الوريد .

وهى أقدر على ترتيب الأوراق وتحقيق الأهداف فى اتزان وتوازن بما لا يخل بمقتضى كل مرحلة ، وبما لا ينقض عهداً أو ينكث اتفاقاً إلا بحسب المصلحة ومدى الإضرار بها ، ثم هى تدرك متى تطبق الحدود تلك الفزاعة التى هى السهم الأخير فى جعبة الكارهين ، اطمئنوا فالقوى الوطنية المخلصة تعرف وتقدر مقاصد الشريعة التى جاءت لأجل كرامة الإنسان ، تلك الكرامة التى سخر الله لها الكون بما فيه ليكون خادما على هذا الإنسان .

إن الأتباع في الغرب والشرق يدركون حقائق الإسلام في أنه لايطبق حدا حتى يضمن للإنسان كل ضمانات الإشباع النفسي والمادي التي تحول دون اجتراء على منكر ، فيغدو مستغنياً فإذا ما ارتكب جرما كان متعدياً فاستحق العقوبة ، والدليل الدامغ تعطيل عمر رضى الله عنه حد السرقة فى عام المجاعة ، إذ هو ظرف يضطر الفقير والمحتاج إلى الخروج عن استقامة السلوك الإنسانى حين يقع تحت ضغط طارئ أو مفتعل .

هذه حقيقة يدركها حملة الفزاعة ، ويدركون أن البناء مرحلة أخطر وربما أطول ، فإذا تمَّ البناء لمصر الحرة مصر الناهضة مصر الرفاهية مصر النقية من إعلام العهروالفحش والتغييب سيكون حديث آخر عن الحدود لأنه لم يعد ثم ضغط حياتى يدفع إلى رذيلةأو  يحض على جريمة، وسيكون الفرادى هم  الواقعون تحت طائلة الحدود وسيكون المجتمع هونفسه المستجير بالحكومة  مطالبا إياها  بإقامة الحدود لحماية نفسه من الانهيار ،فإقامة الحدود عندئذ هى سياج الحماية الرادع ، الذى تطمئن إلية النفوس والقلوب .

 ولما كان الأمر كذلك فم يكن من داع لهذه الضجة حول الحدود لأنه ليس المناخ مناخها ولا الوقت وقتها ، وإنهم يعرفون ذلك لكنها للأسف الشديد خيانة من نوع أخر ملبَّسة على شعب سرعان ما يميز الخبيث من الطيب فى خطاب إعلامى لا يزال يحن لقديمه غير متصور أن مصر ثارت وأزاحت الكابوس عن كاهلها .
"فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون"
نعم يجحدون إما عمالة أو خيانة أو علة فى القلب ونفاقاً .
ولله الأمر من قبل ومن بعد ...

هناك تعليق واحد:

  1. والله لقد أثلجت صدورنا
    أهنئك أمي الغالية على هذا المقال الممتاز و المنمق و الواعي جيدا بفقه الحال و ضوابط الشرع ٫٫
    زادك الله نورا على نور قلبك وأسأل الله ان ينير به قلوبا غلفا وأعينا عميا وأذانا صما
    فإسلامنا يحتاج لمثل هذا الفهم الراقي الواعي المستنير حيث نجد من العلماء من لم يستطع أن يفكر بهذه الطريقة المستنيره و يتشدد في أمور الدينا.
    فهذا هو ديننا الحنيف الذي جاء بحدوده لينظم علاقات البشر و معامالاتهم لا لينتقم منهم في صورة حدود .
    ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: "ادرءوا الحدود بالشبهات".وكأنما يريد أن يفتح أمامه باب الرجوع عن الاعتراف فيقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمن جاء إليه يعترف بأنه زنى ، لعلك لمست ،‏ لعلك قبّلت،لعلك.
    بارك الله فيك و في قلمك ،
    أسأل الله أن يذب عن وجهك النار ،

    ردحذف