الأربعاء، 30 ديسمبر 2009

أعياد الميلاد .. طمسٌ للهوية الإسلامية

تحقيق : شيماء مأمون
يتنوع الغزو الذي تتعرّض له الشعوب الإسلامية, ولعلَّ من أخطر أنواعه ذلك المتصل بالفكر والثقافة, والأخطر من ذلك كلِّه هو الذي يتصل بالجانب العقائدي؛ حيث يتسلل إلى داخل المجتمع وينخر في مَوْرُوثاته وعقائده، يؤثِّر على النشء خاصةً والمجتمع الإسلامي عامةً, والإسلام حريص أشدَّ الحرص على رعاية النشء والفرد المسلم ليصبح سليم العقيدة صحيح العبادة قادرًا على العطاء والبذل, ووسط هذا الغزو الذي يهدف إلى طمس الهوية الإسلامية, ومحاربة كل مظهر يدلُّ عليها, واستبدال كل مناسبة إسلامية بأخرى فإنَّه يجب تحذير النشء من هذه المناسبات, وتعريفهم بأحكامها وأخطارها, حتى يبقى للمسلمين تميّزهم في مناسباتهم وأعيادهم وشعائرهم, إلا أنّ الشعوب قد لا تَنْتَبِه لهذا الغزو إلا بعدما تصبح صورة أخرى لمجتمع يختلف عنها في كل شيء, ويعدّ النموذج الأبرز لذلك الغزو وأصدق تمثيل لتلك الممارسات ما يحدث في معظم بلاد المسلمين ليلة رأس السنة الميلادية.

وقد ورد في السُّنّة عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «ما هذان اليومان؟» قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما؛ يوم الأضحى، ويوم الفطر» (رواه أحمد وأبو داود والنسائي). فوجه الدلالة أن اليومين الجاهليين لم يقرَّهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما»، والإبدال من الشيء يقتضي ترك المُبْدَل منه؛ إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه.

لم يكن عيد الميلاد واحدًا من الأعياد الأولى للكنيسة الكاثوليكية، فقد تحوَّلت العادات الوثنية الخاصة ببداية شهر يناير في التقويم الروماني القديم، إلى عيد الميلاد، ويعترف أول الآباء الكاثوليك بالحقيقة التالية: لم يسجل الكتاب المقدَّس أن أحدًا كان يحتفل أو أقام مَأْدبة كبيرة بمناسبة يوم ميلاده.

ورغم احتفال المسلمين مع النصارى بهذا العيد فقد ورد خبر في مصادر إنجليزية نهاية شهر نوفمبر جاء فيه: إن "فرانكو كلارتي" عمدة قرية "كوكاليو" الواقعة في منطقة "لومباردي" بشمال "إيطاليا" أعلن وستة من نواب مجلس المدينة المنتمين للحزب المحافظ وحزب الحرية ورابطة الشمال- وهم من الأحزاب المعادية للمهاجرين: عن انطلاق حملة لتطهير القرية من المهاجرين المغاربة والألبان قبيل قدوم احتفالات النصارى بالكريسماس؛ رغبةً في الاحتفال بكريسماس نظيف، كما قال في تصريحاته التي نقلتها وكالات الإعلام الإيطالية. وتبدأ الحملة بإرسال الشرطة إلى منازل المهاجرين للتأكد من صلاحية تصاريح الإقامة لعدد 1550 مهاجرًا غالبيتهم من دول المغرب و"ألبانيا" و"يوغوسلافيا" السابقة, الدول التي تحظى بأغلبية مسلمة. وأكّدت الحملة أن الكريسماس عيد ديني ومظهر من هوية الإيطاليين وليس احتفالاً لاستضافة الزوَّار.

في أي مجتمع نعيش؟

وفي سياق متصل فقد انتقد العلامة الدكتور يوسف القرضاوي (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) ما يجري من استعدادات في العواصم العربية والإسلامية للاحتفال بما يُسمَّى عيد الميلاد (الكريسماس)، مؤكدًا أن الاحتفال بأعياد غير إسلامية "حرام ويعني تنازل الأمة عن شخصيتها الإسلامية"، داعيًا المسلمين للحرص على تميزهم في أعيادهم وتقاليدهم.

وقال الشيخ القرضاوي خلال خطبة الجمعة يوم 11 ديسمبر 2009: إنّ "احتفال المسلمين بما يسمى عيد الميلاد حرام وعيب ولا يليق"، متسائلًا بنبرة يملؤها الحزن والحسرة: "في أي مجتمع نحن؟ هل نحن في مجتمع مسلم أم في مجتمع نصراني؟".

تنازل الأمة عن شخصيتها الإسلامية

وهاجم القرضاوي في خطبته بجامع عمر بن الخطاب (بالعاصمة القطرية الدوحة) المحلات التجارية التي تعرض ما يسمي "شجرة الميلاد" بارتفاع عدة أمتار في بعض شوارع العواصم الإسلامية، وطالب هؤلاء التجار بأن يمتنعوا عن عرضها والإعلان عنها، وخاطبهم قائلًا: "لماذا تُظْهِرون الاحتفال بدين غير دينكم في الوقت الذي يَجور فيه أتباع المسيحية علينا ويمنعوننا من بناء مآذن جميلة الصورة والمعمار في المساجد"، في إشارة إلى الحظر السويسري لبناء المآذن.

وشدّد على أنّ المبالغة في عرض السلع الخاصة بأعياد الميلاد تفقد المجتمعات المسلمة هويتها، مبديًا أسفه لانتشار مظاهر الاحتفال بأعياد الميلاد في الدول الإسلامية، في الوقت الذي تتصاعد فيه الدعوات في أوروبا لمنع إقامة المآذن، وقال: "حرَّموا علينا بناء المآذن ويُوشِكون أن يحرموا بناء المساجد ونحن نشاركهم الاحتفالات بأعياد الكريسماس!".

ولفت الشيخ القرضاوي إلى المفارقة التي تحدث حاليًا؛ "ففي حين يعجز ملايين المسلمين في أوروبا وأمريكا عن الاحتفال بشهر رمضان والأعياد الإسلامية وسط العواصم الغربية، نرَى غير المسلمين يحتفلون بأعيادهم ومناسباتهم بشكل ظاهر للعيان في الجزيرة العربية ومختلف العواصم العربية الإسلامية"، وقال: إنّ "المسلمين احتفلوا قبل أيام بعيد الأضحى ولم نرَ مظاهر للعيد في محلات المسلمين هناك".

عيد لا أصل له

وحول حقيقة تاريخ عيد الميلاد قال القرضاوي: "عيد الميلاد اختلف المسيحيون في موعده وانقسموا إلى فريقين، الأول يقول: إنه يوم 25 ديسمبر، والثاني يؤكّد أنه 7 يناير"، وأشار إلى أن الطرفين على خطأ؛ لأن مولد المسيح (عليه السلام) لم يكن في الشتاء، مستدلاً بقوله الله عز وجل: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}، وتساءل: هل يوجد نخل في الشتاء يسقط رطبًا؟!

وأبدى العلامة القرضاوي استغرابه من هَرْوَلة الكثير من المسلمين للاحتفال بميلاد المسيح، في حين يتجاهلون الاحتفال بمولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، قائلاً بنبرة يملؤها التعجُّب: إن بعض بلاد المسلمين "لا يحتفلون بمولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ويعتبرون الاحتفال بدعة، فكيف يسارع أهلها للاحتفال بالكريسماس؟!".

من أشكال التغريب

وأيَّد علماء أزهريون الفتوى مؤكدين أنَّه لا يجوز شرعًا للمسلمين الاحتفال بهذه المناسبة، لما يحدث فيه من شرب للخمور وأمور لا أخلاقية، مؤكدًا أن الاحتفال به يساهم في طمس الهوية الإسلامية للبلدان العربية، كما أنَّه أحد أشكال التغريب؛ لأن ما يحدث في الدول العربية بدءًا من الترتيب والاستعداد للاحتفال ونهايةً بالاحتفال برأس السنة الميلادية يشبه ما يحدث في الدول الغربية، في مقابل عدم القيام باستعدادات مماثلة للأعياد الإسلامية، وعلى رأسها عيدا الفطر والأضحى وعيدا رأس السنة الهجرية والمولد النبوي.

أُمَّة مستهدفة

وتقول الاستشارية الاجتماعية ماجدة شحاتة : "لا شكَّ أننا أمة متميزة، وكذلك كل أمة لابدَّ أن تكون لها أعيادها ومناسباتها، وكلما كانت الأمة مستمسكة بمنهجها كانت ألزم له وأبعد عن اتباع الآخر فيما يذيب خصوصيتها أو يطمس هويتها".

وتؤكَّد ماجدة بأنَّ الأمة الإسلامية أمة مستهدفة وهي في حالة انحراف عن المسار الحضاري، وذكرت أنّ "قانون الغلبة أن المغلوب يتبع الغالب في كل شيء انبهارًا به, وقد حذَّرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من اتباع سَنَن من قبلنا من يهود ونصارى، حتى أهون الأشياء وأتفهها نَجِدنا قد اتبعناها, ومن هنا برزت مناسبات كثيرة قد يكون الاحتفال بها يحتمل التحريم وعلى الأقل الاشتباه, من هذا الاحتفال بعيد الميلاد بشكل ضخم لا فرق بين مسلم وغيره, ولو أنَّ المناسبة اقتصرت على تقديم التهانِي لكان أخفَّ وطأةً من التهيؤ والاستعداد لإقامة حفل خاص.

لماذا نغفل عن السَّنة الهجرية؟

وتشير شحاتة بأنه "حين ينتهي عامنا الهجري ليبدأ عام آخر نراه يمرُّ مرور السحاب في غير اهتمام ولا انتباه حتى إنّ يوم عطلته لا يعرف الطلبة به مطلقًا إلا من خلال السؤال، على حين يعرف موعد العام الميلادي ويستعدُّ له"، وهذا راجع أولًا لاعتماد التاريخ الميلادي تقويمًا رسميًا, وإدراجه في المناهج التعليمية وتسجيل اليوم الدراسي بهذا التاريخ. وثانيًا: "غياب الدور الأسري في إحياء التقويم الهجري من خلال التذكير بالمناسبات المرتبطة به، وغياب التقويم الهجري بالبيت بدلاً من الميلادي". وثالثًا: أن "التاريخ الهجري للأسف غير مقرون بأي احتفاليات- رسمية- من شأنها جذب الانتباه، فإذا كان المجتمع لا يبالي فإن الأسرة لابدَّ أن تربط نهايته وبدايته باحتفالية ما من شأنها تكريس البديل، وعلى المدارس أن تُحْسِن توظيف فرصة الاحتفال به من خلال إقامة المسابقات وتوزيع الهدايا بحيث يُرْبط به نوع من الأنشطة الجاذبة لا المنفرة.

التربية هي وسيلة لصناعة الإصلاح

وتؤكد الاستشارية التربوية وفاء مشهور أنَّ التربية هي أداة التغيير في المجتمعات والشعوب؛ تغييرًا في قيمها، في ثقافتها، في عقيدتها، في عاداتها، في أعرافها، بل في كل موروثاتها. ولما كانت التربية هي الوسيلة لصناعة هذا الإصلاح، فهي تتميَّز بالاستمرارية باستمرار وجود الإنسان. وهنا تظهر أهمية الأساليب المنهجية التربوية، فالعلم والتربية هما الوسيلتان لبناء سعادة الإنسان وعِزَّته؛ لذلك بذل العلماء والمُرَبّون جهدهم، وأفنوا حياتهم في بلورتها إلى واقع تعليمي كنظم ومناهج وأساليب تعليمية، والآن وقد مضت عليه سنوات من الإهمال والنسيان بل والاندثار، ظهر ثوب جديد لنظام التعليم والمناهج الدراسية التي بعدت عن المنهج والأساليب التربوية والإسلامية عند القيام بالعملية التربوية التعليمية.

طمس المفاهيم والأسس والمبادئ

وتشير وفاء  إلى أنّه سارت التربية والتعليم في التاريخ الإسلامي بموازين وأسس، اعتمدها العلماء والمربون المسلمون السابقون، وساروا عليها في مناهجهم التعليمية زمنًا طويلاً، فجاءت المدنية الحديثة، وطمست أغلب تلك المفاهيم والأسس والمبادئ، واتَّجهت الدول العربية والإسلامية إلى أساليب ونظم الغرب، مُقْتَبِسين من نظرياتهم ومبادئهم التعليمية التربوية، والتي أصبحت بديلاً عن مناهجنا؛ حتى صارت هذه المناهج والنظم وكأنها الأصل.

وتقول مشهور إنّ الثقافة العامة الوافدة من الخارج تؤثِّر على موروثاتنا كمسلمين وأكثر المتأثرين بها هم النشء فنجد أننا كمسلمين أصبحنا نحتفل بأعياد من نختلف معهم في العقيدة، فنجد أن عوامل كثيرة مؤثره في النشء فنجد بيوت المسلمين قد تَهَّيأت للاحتفال بقدوم العام الميلادي الجديد، وكذلك نجد النتيجة المعلقة في المنازل بالتقويم الميلادي، وكذلك كل الأعمال تستخدم التقويم الميلادي مثل المدارس والمكاتب، وكذلك يعانِي المجتمع الإسلامي التقليد السريع للوارد من الغرب.

وفي الختام توجه وفاء مشهور رسالة للآباء والأمهات قائلة لهم: "نحن نحتاج للتعرف على المورثات الإسلامية لأننا قد تُهْنا بين الموروث والوافد من الغرب" حتى نُخْرِج للمجتمع جيلاً متمسكًا بموروثاته الإسلامية ولا يتشبه بما يجلبه الغرب له .
---------------
طالع التحقيق على موقع : نوافذ الإسلام اليوم
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق