الجمعة، 11 ديسمبر 2009

لمحات من دور المسلمة في الهجرة النبوية


بقلم : ماجدة شحاته
منذ أن نزل الوحي على نبينا محمد (صلى الله عليه و سلم ) أول مرة في غار حراء ، لم تكن المرأة فى معزل عنه ، و لم تكن مستبعدة على مدى التاريخ الإسلامى المشرق من المبادرة أو المشاركة فى مسيرة الأمة بكل أحداثها ...

وإذا تتبعنا دور المرأة منذ بداية الوحي فإننا نلمحه واضحا بلا غموض ، بارزا بلا توهم ، لقد عاد (صلى الله عليه و سلم) من غار حراء خائفا مما رأى فإذا بزوجه تطمئن قلبه ،وتربت على كتفه ، بل و تستشرف الخير مما رأى ، فتحيل خوفه أمنا و سكينة ، ساعية لدى ابن عمها- ورقة بن نوفل- تستوثق لزوجها مما رأى فتزيده ثقة و تأكيدا و تكون بذلك أول إنسان يوّحد الله بعد محمد (صلى الله عليه وسلم) متحملة بعد ذلك عبء الرسالة على نحو لم يعرفه تاريخ إمرأة من قبل (1).

و إذا عرفنا أن سمية بنت خياط أول شهيدة فى الإسلام و هى سابع سبعة فى الإسلام وإذا ثبت أن أسماء بنت أبى بكر- رضي الله عنهما - هى الرقم السابع عشر ممن دخلوا الإسلام فلن يصعب عليناحصر نساء أخريات لتكون نسبة السابقات إلى الإسلام لاتقل كثيرا عن الرجال ، وربما كانت النساء سببا في دخول الرجال الإسلام ، فهن (أرق عاطفة ،وأكثراندفاعا ، وأسمح نفسا ، وأطيب قلبا ) (2 ).

ولا شك أن من يتصف بهذه الصفات يمكنه أن يفعل الكثير (فالمرأة إذا آمنت بشىء لم تبال في نشره والدعوة إليه بكل صعوبة وعملت على إقناع زوجها وإخوتها وأبنائهابه) (3)

والتاريخ يذكر أن سفانة بنت حاتم الطائى لما عفا عنها -صلى الله عليه وسلم -وأسلمت لاتزال بأخيها عدي الفار من رسول الله حتى عاد مسلما جنديا في الصف الإسلامي .

وكذلك امرأة عكرمة بن أبي جهل -رضي الله عنه -ألم تخرج هذه المرأة في طلب زوجها ،قاطعة المسافات الطوال مجازفة ومخاطرة حتى أمنته وعادت به ليكون أحد صناديد الإسلام ؟!

هذان النموذجان يقطعان الطريق على من يحاول بخس المرأة قدرها أو التقليل من قدرتها على أن ينتظم بها الصف وينضبط في مشاركة فّعّالة ،ومساهمة أكثر من إيجابية وهكذا دائما وفي أي عصر نجد أن (حركة الإصلاح الإسلامي ستظل وئيدة الخطى ،قليلة الأثر في المجتمع حتى تشترك فيها المرأة ) (4)

وعودة إلى رصد دور المرأة في الهجرة بوجه عام ،والهجرة النبوية على وجه الخصوص فإننا ندرك الحقائق الآتية :

1-  في الهجرة إلى الحبشة كان عدد الرجال أحد عشر رجلا وأربع نسوة في رواية وفي أخرى أن أول عشرة هاجروا إليها كان نصفهم من النساء .(5)

2-  في نفس الهجرة نجد أن الزوجات لم يفارقن أزواجهن بل صاحبنهم متحملات معهم مفارقة الأهل والعشيرة ،وصعوبة الرحلة ومشاق الطريق .

3-  يصل إصرار المرأة على الهجرة بدينها مداه حين تتكرر الهجرة مرة إلى الحبشة وأخرى إلى المدينة فأول من قدم المدينة مهاجرا أبو سلمة المخزومي و زوجته أم سلمة ، و حين حيل بينها و بين الهجرة يذكر لنا التاريخ صفحة مشرفة يندر أن تتكرر في إصرارها على اللحاق بزوجها فتخرج كل يوم إلى أطراف مكة تستشرف من يرافقها في هجرتها ، وأمام إصرارها يرق لها من لا يزال على كفره فيصحبها في هذه الرحلة الطويلة حتى يبلغها مأمنها  (6)، و هذا الإصرار العجيب نجده في زوج عامربن ربيعة فقد هاجرت مرة إلى الحبشة بصحبته وأخرى إلى المدينة.

4-  وإذا ثبتت رواية أم معبد فسوف نجدها أول من أسلم أثناء الهجرة ما بين مكة والمدينة إذ بايعها (صلى الله عليه وسلم) على الإسلام .

فإذا ركزنا النظر في الهجرة النبوية فإننا نلحظ ما يلى :

1-  لم يعلم بهجرة الرسول(صلى الله عليه وسلم) إلا علي و أبو بكر و ابنتاه أسماء و عائشة- رضى الله عنهما- و من ذلك نستنتج أنه (صلى الله عليه وسلم) جعل أسماء و عائشة محل ثقته و سره و لم يخش منها على أمر الهجرة و هو أعظم حدث فى تاريخ الإسلام بدليل أنه لم يتحدث مع أبى بكر فى أمر الهجرة إلابعد معرفته بأنهما وحدهما الموجودتان عنده ، و إلا لأخرجهما من البيت لينفرد بالسر هو وأبو بكر وحدهما ، و هذا فى حد ذاته دليل دامغ ندفع به من يتصنعون الخوف على الدعوة و الحركة فيستبعدون العنصر النسائى كما لو كان شرا مستطيرا ستضيع به الدعوة ، و تهلك به العصبة.

2- لم يتوقف دور المرأة على مجرد العلم وكتمان السر إذ يقف نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام على باب أبي بكر فتخرج إليهم أسماء ،وعندما يستفسرون عن أبيها تنكر معرفتها وتأبى أن تجيبهم إلى مايريدون ،وكان أبو جهل فاحشا خبيثا إذيلطم خدها لطمة تطرح منها قرطها ولاتبالي (7)
وفي دعوتناومسيرتها الحالية نجد من يهمش المرأة ظانا أنها بضربة كف تكشف الدعوة وتدل على رجالها ولاثقة في تربية أو قدوة .

3-ولما كانت الرحلة طويلة ،فإنها تحتاج إلى إعداد وتجهيز ، ومن غير المرأة يجيد هذا الدور ؟
لقد دفع أبو بكر بالراحلتين- اللتين أعدهما للهجرة -إلى أسماء وعائشة فجهزتاهما أحّث الجهاز
إذ صنعتا لهما سفرة في جراب وقطعت أسماء قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب كما روت السيدة عائشة رضي الله عنها (8)

4-وإذا كان الرحل سيمكث على أطراف مكة ثلاث ليال فإن التاريخ لم يجّهل دور المرأة ، ولم تقف هي بإيجابيتها إلى هذا الحد فقد ينفد الزاد وهنا لابد أن يستمر دور المرأة ولا يتجمد في أي مرحلة من مراحل الدعوة مهما كان حجم هذا الدور ومهما كانت طبيعة المرحلة ، وهنا تكون المرأة أقدر على تأمين الزاد وهو دور يناسبها كامرأة كما ناسب أخاها عبد الله نقل الأخبار إذ هو بطبيعته أقدر وأوثق (9)
ومن ثم فإننا :
(لا نستطيع أن نمر دون الإشارة إلى شخصية أسماء العجيبة وهي الأنثى الحامل في شهورها الأخيرة، تصعد الجبل الذى يعجز المسلم العادى صعوده)(10)

هذه هي المرأة في حدث واحد من أحداث الإسلام الكبرى والأخطر في مسيرته ومرحلته أضعها بين يدي من ينظر في دور المرأة حتى تكون نظرته متوازنة فلا يكون هناك إفراط في الإنطلاق بها دون مراعاة لقدراتها ومناسبةا لمناط بها لهذه القدرات ، ولا يكون هناك تفريط في الجمود بها عن أداء دور بحيث يصل إلى التهميش وربما الإسقاط والإلغاء فتكون العاقبة: تجهيل يؤخر ولا يقدم،بل يعطل ويعوق والله من وراء القصد.
________
الهوامش:
1-السيرة النبوية :دروس وعبر ، للدكتور مصطفى السباعي ص 45
2-المصدر السابق ص72
3،4-المصدر السابق ص 73
5،6،7-السيرة النبوية لابن هشام ج 2
8-البداية والنهاية لابن كثير ص485
9،10-المنهج الحركي للأستاذ منير الغضبان
-------------------------------
طالع المقال على منتدى الإسلام اليوم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق