الاثنين، 7 ديسمبر 2009

كرامة المصري بمعايير مختلة


بقلم : ماجدة شحاته
بغض النظر عن نتيجة مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر المؤهلة لكأس العالم، كون المؤهل لن يكون سوى مصري أو جزائري، وكلاهما لا بد أن يكونا في الحس المسلم والشعور القومي على السواء؛ لأنهما ينتميان لحضارةٍ ما تنمي لجذور واحدة.

لكن ما كشفت عنه ممارسات الجمهور في كلا الجانبين عكست سطحيةً في التفكير وسذاجةً في النظر والتصور لمقتضى العلاقة التي تربطهما، هذا بالنسبة للفعل ثم لرد الفعل، وكلاهما لم تحكمه قيمة ما عن أخوة الدين واللغة والتاريخ والأرض وامتداد الأصول إلى جذور راسخة في الولاء وحقيقة الانتماء، ومقتضى العمل وفقًا للفهم الصحيح.

وليست تلك الممارسات بمستغربة بالنظر إلى واقع شعوب عالمنا من حيث سياسات التهميش والتسطيح وما يُمارس عليها من إذلال وهوان.

فأنْ يتضخم الاهتمام بكرة القدم بحيث يكون الإنفاق عليها بسخاء لا تحده حدود، على حين تنقبض اليد عن مجالاتٍ أخرى تتصل بمصالح الإنسان وحاجاته الضرورية صحيًّا وعلميًّا وثقافيًّا، فتلك إذن أولويات مختلة ومعايير معتلة في النظر إلى ضرورات الحياة الكريمة، وكليات الإنسان الخمس دينه وعقله وماله وعرضه ونفسه من قبل ومن بعد، وما يتصل  بها من كرامة إنسانية تستوجب حقوقًا ضاعت في ظل انقلاب المقاييس والنظر، وامتُهنت تلك الحقوق في ظل سياساتٍ ليس الإنسان هدفها تنمويًّا أو إستراتيجيًّا، على حين تصبح التنمية في عالم آخر مسخرة من أجل هذا الإنسان ليكون أكثر رفاهيةً ورغادة عيش لا مجرد تحقيق ضرورات حياة.

لقد كشفت المباراة وتداعياتها عن كيفية تعامل الحكومات مع مثل تلك الملفات، التي لا تُقدِّم ولا تؤخر في مسيرة أي أمة حضاريًّا أو نهضويًّا لبناء الإنسان الحر.

وما لفت نظري على الجانب المصري تكرار التنديد بكرامة المصري المهدرة، ووضعيته المهانة، وما ارتبط بذلك من ثورة غضب واستنكار، على ألسنة ووجوه نخب النظام التي اختيرت لتكون الجمهور المُشجِّع لفريقنا المنتخب، ربما تكون هذه الثورة، وتلك الغضبة المستنكرة حقًّا لا يمكن إساءة الظن به؛ لأن هذه النخب لم تقع يومًا تحت مطرقة ممارسات في الداخل أو الخارج تمس كرامتها ومركزها، والتي يسأل عنها مصريون في الداخل وآخرون كثيرون في الخارج.

وإذا أردت أن تعرف حجم هوان تلك الكرامة المبكي عليها من تلك النخب، فتأمل دور السفارات والقنصليات المصرية، وإلى أي حدٍّ تقف على نقاط تماس مع رعاياها ومواطنيها فيما يتعرضون له من تعسفٍ واستغلالٍ وإذلال؛ ليتأكد لك أن جالياتنا كالأيتام على موائد اللئام.

وإذا أردت أن تعرف قدر كرامة المصري في الداخل فتأمل المصريين الذين يحملون جنسيات مغايرة كيف يؤثرون إبراز هوياتهم الأجنبية المكتسبة في مراكز الشرطة والمصالح الحكومية؛ لتقضي لهم الحاجات في غير تعسفٍ أو ممطالةٍ، وفي كثيرٍ من التكريم.

لقد عجبتُ من نبرة الإنكار؛ لأنني فجأةً وجدتُ أن الكرامةَ محل اهتمام وتقدير وانفعال وثورة، هل لأنها في ممارسات ما بعد المباراة طالت نخب الحكومة وصنيعتها؟ وماذا لو طالت في سلوكٍ عشوائي كالمباراة نخبًا أخرى بمعايير النظام؟ هل كرامة المواطن ترتبط علوًا وانخفاضًا بمستوى ومدى القرب أو البعد من النظام؟ هل تتجزأ كرامة المواطن فتصان لدى فئةٍ وتُنتهك لدى أخرى؟ هل الشعور المنتفض بالكرامة يرتبط بممارسات دون أخرى تتعلق بالأفراد لا كونها مهينة أو مهدرة للكرامة؟

مَن يهن يسهل الهوان عليه ... ما لجرحٍ بميتٍ إيلام

لقد هان شعبنا على نظامه في الداخل، يوم قامت خطط تنميته على تجويعه، وتوسيع مساحة فقره ومصمصة كده وعرقه ودقِّ عظامه، وتجفيف منابع خيره ورخائه لحساب الطغمة الحاكمة ورجال أعمالها، مما همَّش الطبقة المستورة، فانكشفت عورتها، ولم تجد ما تتستر به سوى اضطرار لترك الأوطان، لتلقى نفسها أمام هوان من نوعٍ آخر تمارسه النظم الأخرى بخسًا واستخفافًا.

إن نظامًا يُسخِّر كل الامتيازات والتسهيلات ويرفع الأعباء عن طبقة رجال الأموال وحدهم، هو نظام يمارس تمييزًا عنصريًّا ضد أبناء الوطن، بالحرمان من تكافؤ الفرص وعدالة توزيع الثروة.

إن بداية استرداد كرامة المواطن تبدأ من الداخل؛ عندما يكون المواطنون على السواء نصب عين النظام، يعمل لهم حسابًا، ويكونون هم الهدف الذي تتعلق به كل خطط التنمية؛ من يكون المواطن، وحيثما يكون؛ بحيث يحاكم أمام قاضيه الطبيعي من غير استثناء، وتصبح الشرطة في خدمة الشعب على وجه الحقيقة لا الشعار، وبحيث يصبح الأمن كله من أجل الإنسان لا الدولة أو النظام.

إن اختلال معايير النظر إلى الإنسان أخلَّ بوضعيته على أرض الواقع؛ مما كرَّس وضعيةً تحتاج إلى جهود ضخمة من أجل تصحيحها، ومحو التشوهات النفسية التي نجمت عنها.
---------------
طالع المقال على موقع : إخوان أون لاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق