السبت، 4 يوليو 2009

حجاب مروة وعنصرية الآخر


بقلم : ماجدة شحاته
من تركيا إلى ألمانيا، ومن ساحة مجلس النواب التركي، إلى ساحة محكمة ألمانية جرت محنة الحجاب؛ إذ يقرع السمع، ويلفت النظر اسم مروة وكأنه قرينٌ بتلك المحنة، اختلفت الجنسية لكن اتحدت الهوية على فريضة إسلامية، تفرض نفسها في قفز تلقائي على الحدود وفواصل سايكس بيكو القديم والحديث، مهما كانت القوة الغاشمة التي تفرضها للعزل والتهميش.

من مروة قاوقجي في تركيا عام 1999م إلى مروة الشربيني عام 2009م يتجدد الجدل، ويبرز الحدث؛ ليكون هو الأعلى صوتًا، والأكثر استحواذًا على وسائل الإعلام، والأشد استثارةً للشعور الإسلامي وتجميعًا لشعوبه؛ لتجري في عروقه التي توهم البعض أنها ضمرت فضاقت بدماء هذا الدين، وليتدفق بعد طول ركود معلنًا: أن تحت الرماد نارًا توشك أن تندلع، فتكشف كل العورات، وتهدم كل أباطيل المرجفين مهددي حصوننا وهادمي قلاعها.

في كل مرة يُكادُ للإسلام في فريضة الحجاب يطل اسم مروة؛ ليسطر من نور إباء المسلمة واعتزازها بما فرض عليها ربها، وإذا كانت مروة تركيا قد دفعت الثمن غاليًا من راحتها وجنسيتها وأمنها وأمان ابنتيها، وقت الحملة الضارية عليها؛ لتمسكها بالحجاب، وإصرارها على دخول البرلمان التركي به، كونها نائبةً منتخبةً ومحجبة في بلدٍ علماني، يناهض الحجاب ويعاديه ويجرم نساءه.

مروة دفعت الثمن لتمهد بعد ما يقرب من عقدٍ لمطالبات جادة بعودة الحجاب كحقٍّ طبيعي لشعبٍ مسلم، وقد وصلت رسالتها بعد أن أبت أن تلين لضغوط حكومية، وبعد أن تخلى عنها حزبها نتيجة ضغوط قوية، لتقف وحدها تنافح عن حجابها وحقها في ألا تتخلى عنه، وتغادر تركيا لتصبح أستاذًا في أحد معاهد العلاقات الدولية بأمريكا، وتواصل رسالتها عبر صحيفة تركية تبث وعيها وقناعات دينها.

أما مروة مصر الشربيني فقد كان ثمن صمودها هو الأغلى أمام اتهام موجه لدينها بالإرهاب، وسخرية بحجابها، فقد غادرت ألمانيا إلى جنةِ ربها، مقيمةً الحجةَ على كل مستخفٍّ بالحجاب، ومُعذِرةً نفسها أمام ربها أن ثابرت على الأذى، وناطحت من أجل تعرية الآخر، الذي يجد من أهلنا وبعض دعاتنا مَن يجادل عنه في أي خصومة، مُبرِّئًا إياه مما يكيد لديننا، ليفتح الأبواب مشرعةً في قفز على حقائق وطبائع هي من ثوابت هذا الدين، في توصيفه البعد النفسي والأخلاقي لليهود والنصارى وملة الكفر كلها حالة استعلائه وتمكنه وعلوه وظهوره.

طُعنت مروة على مرأى من أمن وقضاة في ساحة محكمة أوروبية لا ترى أي حق إنساني لمسلم في حفظ حياته وكرامته، فوقفت كالطود شامخةً تحاول تبرئة ساحة دينها وحجابها مما أُلصق به من قِبل عنصري الغرب، ولو استمعت لنصح مدعي العقل للزمت بيتها وارتضت الخنوع لسلوكٍ عنصري ضد دينها، ولظلت بالتالي صور الإساءة لهذا الدين، كما هي في تفاقم مهما ادَّعى البعض تقصيرنا في تجميل الصورة، متهمًا إيانا بالمساهمة في تكريس الكراهية، ولظلَّ هذا السلوك العنصري يتصف بالفردية، دونما بحث عن جذور الصراع وطبيعة النفس الغربية وثقافتها المتوارثة عن الحقد للإسلام.

لقد سارت مجريات الشموخ لتدفع مروة ادعاءات الآخر الذي قبلناه حتى قبلناه فما ازداد إلا رعونةً ونزقًا، بل حققت ما هو أسمى من ذلك، ليكون قتلها ثمنًا لإصرارها على الحجاب فتصل الرسالة بالغة أن المسلمة في سبيل الحجاب تدفع بالروح فكيف بها في معركة أخرى مع عدو دينها؟.

وأيضًا ليكون قتلها تجديدًا للجدل حول الحجاب بما يُعيد إليه إشراقه بعدما عبثت به دور الأزياء ليكون حجاب فتنة.

وعلى مستوى الكبار ينزلق مَن يستخف به إلى درك يظهر فيه إما جهله أو عمالته لعلمانيته.

وعلى مستوى آخر يأتي القتل في ساحة محكمة تنتمي لحضارة طالما تُشدِّق بضماناتها الحقوقية ونهضتها المادية التي تنطلق من العدل والحرية والمساواة، في مطالبات بتحقيق نفس المستوى لنكون على قمة تلك الحضارة، لكنها محاولة لتطويع شعوبنا على استسلام للآخر في استماتةٍ لتدجين شعوبنا المسلمة دون ضبط للعلاقة في توازن للقوى واعتبار لما هو دون القواسم المشتركة، التي يُدندن حولها وحدها بعيدًا عما عداها من ثقافة عدائية متوارثة نفثت سمومها في واقعنا احتلالاً وتخلفًا.

إن محاولة تجميل الوجه القبيح لحضارة الغرب من خلال توصيف السلوك العدائي والعنصري تجاه الإسلام وأهله بأنه حالات فردية؛ هو تكريس لحالة الخنوع التي يراد للأمة أن تظل فيها؛ لتكون دومًا ذيلاً في ذنب تلك الحضارة التي تحتل الأرض وتختل في قيمها ومعاييرها تجاه إسلامنا.

ولعل في مقتل مروة ما يعيد التوازن إلى النظر إلى الغرب من خلال توصيف صحيح لما يمارسه على الأمة من عداء وعدوان، ولعله أيضًا رسالة بالغة لمَن يستخف بعباءة تُلبَس أو رأس يُغطَّى في تهوين من أمر التزام يراه شكليًّا أكثر مما يراه اعتقادًا وفرضًا.

ولعل الحدث يصل برسالة بالغة إلى مَن يحسن الظن بأنظمة لا تأبه لكرامة أُهدرَت ودماء استبيحت، وكأن شأن مروة وحجابها لا يعني شيئًا بالنسبة لتلك الأنظمة.

ولعله عملية إفاقة من غيبوبة تم إدخال الأمة فيها بمشاركة الجميع بقصد أو من غير قصد، حين تمت الخدمة على ترويج ثقافة السلام والتعايش السلمي مع آخر لا ينفك عن عدوانيته وعنصريته، من خلال إشاعة مفاهيم فيها الكثير من المغالطة والتلبيس لدرجة التضليل عن حقائق ذلك الآخر بترويج مشروعات فكرية تتبنى فقه المعايشة والقبول بالآخر، والمراجعات أو التراجعات وتغييب فقه جهاد الدفع، في ظل واقع مترع باعتداءات صارخة على الأمة واستغلال هو الأسوأ لثرواتها، في محاولة لصرف الأمة بعد أحداث سبتمبر عن أي مشروعٍ للنهضة يتبنى مرجعية إسلامية توظف الإسلام في استنقاذ الشعوب من طواغيت النظم الحاكمة المحتلة للأمة بالوكالة عن آخر نجح في دعواه بتجديد الخطاب الديني الذي أصبح حالة من التجريد، فعلت فعلها في تفريغ الإسلام من الفاعلية في الحياة العملية والواقعية لشعوب وضعها الحقوقي والإنساني هو الأسوأ.
--------------
طالع المقال على موقع : إخوان أون لاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق