الاثنين، 2 فبراير 2009

رسالة شكر إلى أردوغان


بقلم : ماجدة شحاته
نعم شكرًا لك أيها الطيب أردوغان، فقد أتيت في زمن الهوان والخنوع والإذلال، لتعيد إلينا الثقة في أن ثمة دماء حرة لا تزال تجري في عروق المسلمين، بل في عروق قادة قادرين على اتخاذ موقف.

شكرًا لك أردوغان لأنك أعطيت نموذجًا لإمكان الغضب في محفل اقتصادي عالمي، ضد "إسرائيل"، وأن الغضب وإعلان موقف ليس أمرًا صعبًا، ولا مهمة شاقة، لكنه يبدو أصعب وأشق على من لا يملك إرادته أو حريته، بل من لا يملك قراره في مملكته أو سلطانه، لأنه إنما جاء على حراب الاستبداد، وأسنة تزوير إرادة الشعوب، وعبر قنوات الفساد، بينما جاءت حماس وجاء الطيب أردوغان بإرادة حرة واختيار حر، فهو إلى رصيده الشعبي ينتمي، لا إلى من وظَّفه ملكًا أو رئيسًا على مستعمرة عربية بالوكالة عنه.. هكذا يجب أن نقيس المواقف ونتحقق منها.

ربما سيحاول المرجفون وصم هذا الموقف بالعاطفية، فليكن ما يكون، وربما ستحاول قوى عربية وأخرى صهيوأمريكية تأديب تركيا كما أدبت حماس بالحصار، كتقليص حجم التعامل التجاري مع تركيا، وستكون بعض الأنظمة العربية منفذة لهذا على مدى قريب أو بعيد، فنماذج أردوغان لا يجب أن تتكرر؛ لأن في تكرارها تهديدًا لأنظمة أصحاب الكروش الذين يجلسون على سدة العروش، لمجرد أنهم يطابقون المواصفات الأمريكية في التخديم على مصالحها التي تمر عبر الربيبة "إسرائيل".

شكرًا لك أيها الطيب وانتظر ردات فعل العملاء ووطّن نظامك على إرادة حرة قادرة على الاستغناء، قادرة على أن تمسك بأطراف اللعبة وأوراق ضغطها، ليكون الآخر دومًا عاملاً حسابًا للمواقف التي لم يتعودها.

شكرًا لك أردوغان فقد نفضت الغبار عن ذاكرتنا، حين فرضت علينا استدعاء الخلافة الإسلامية التي تم تفكيكها وإعادة تركيبها في بديل بلا هوية ولا مرجعية.

شكرًا لك أردوغان لأنك استجشت مشاعرنا حنينًا لتلك الخلافة التي تضمنا في كنفها عزة وإرادة حرة، وريادة نحو كرامة إنسانية مرغت التراب في ظل أنظمة احتلال بالوكالة.

شكرًا لك أردوغان لأنك كشفت سوءة أخرى لردات الفعل الهمجية لدى قادة، لا يملكون ذرة من اتزانك وحسن ضبطك ومنطقية رد فعلك، بل بلاغته التي تنطلق من عزة المسلم الحر.

شكرًا لك أردوغان لأنك كنت إلى أبعد تقدير موفق القول مسدد الرأي، منظم العبارة جم الأدب، وما تعودنا من دعاتنا وقادة أنظمتنا إلا انفعالاً وتشنجًا وردود فعل، غير منضبطة بل تأتي عبر نفسيات لم تتربَّ على ما تربيتَ عليه من قوة الجنان وامتلاك ناصية النفس قبل اللفظ.

شكرًا لك أردوغان فقد كشفت موطن الخلل فينا نحن العرب، وأعطيت نموذجًا ودليلاً على أن رابطة الإسلام هي الأقوى والأبقى.

شكرًا لك أردوغان لأنك لم تقفه موقفًا عنتريًّا لأنه لا يحتمل المزايدة.

شكرًا لك أردوغان لأنك انطلقت في موقفك من قوة لا تعرف التردد في موضع الفصل والحسم، فكنت رجل موقف؛ لتعطي لقادتنا درسًا ولعلمائنا أن المسألة ليست كما يتوهمون، وأن قبض اليد عن مثله إنما يأتي من عبودية المنصب والسلطة والمكتسبات، أما من يتحرر من هذا كله فلا شيء يعوقه مهما كانت حسابات القوى الكبرى.

أعرف أنه ربما تدفع الثمن لكني أثق أن من يقف موقفك لنصرة الحق في مكانه وموقفه ومحكه هو أهل لنصر الله وتمكينه، ولن يترُك الله عملك.

شكرًا أردوغان فقد حولت أنظارنا إلى عاصمة الخلافة وجددت معها حلمًا لا يكاد يفارق المخلصين أن تعود الأمة ثانية إلى خلافة راشدة تضع الأمة في مسار حضاري لم تكن يومًا إلا صانعته ومبدعته.

طبت أيها الطيب، وجعل الله غضبتك في ميزان حسناتك.
--------------
طالع المقال على موقع : إخوان أون لاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق