الأربعاء، 18 فبراير 2009

الزواج وخطورة ظاهرة الطلاق


بقلم : ماجدة شحاته
الزواج أصل في العلاقة بين الرجل والمرأة، تحكمه ضوابط، وتنظمه تشريعات وأحكام، واستدامة العشرة شرط أساسي، وإلا فإن الزواجَ بنية التوقيت وتحديد مدة لا يجوز، ومن ثَمَّ وُصفت العلاقة الزوجية بالميثاق الغليظ، الذي يترتب عليه حقوق وواجبات والطلاق حالة طارئة لقطع الصلة الزوجية، لا تصل إليها إلا بعد استنفاد وسائل وطرق شتى للتوفيق بين الزوجين، للاستدراك على كل ما من شأنه الحيلولة دون استقرار واستمرار، ولما كانت الحقوق مصانة، والواجبات مكفولة، قلَّ الطلاق في المجتمع المسلم، واعُتبِر لكراهته والتنفير منه عند انتفاء موجبه حالة شاذة ليس وراءها سوى أخلاق فاسدة، من أحد الزوجين أو كليهما، أدَّت بهما إلى الانفصال؛ لذا يتردد البعض في تزويج المطلق أو المطلقة، برغم سلبية هذه النظرة أحيانًا؛ تحسبًا من تكرار الطلاق ورغبة في الاستقرار.

لكن في ظلِّ معاول هدم لمؤسسة الأسرة، ومطالبات بالتمكين-الهادم- للمرأة ومساواتها على إطلاق دون ممايزة بين مقتضى وظائف تتعلق بالذكورة والأنوثة - وليس الذكر كالأنثى- في ظل هذا تمت دغدغة المرأة والدندنة لها حول حقوقها السليبة، وطاقاتها المعطلة والمهدرة في خدمة بيت وزوج، وإلقاء التبعة كلها على الرجل، ليبدو هو العقبة الكؤود دون تفعيل دور المرأة في مسيرة التنمية المجتمعية، وبدأت أفكار مغايرة تسود عالم المرأة، عن سلبيتها في اتخاذ قراراتها، وتقرير مصيرها، باستكانتها للظلم الواقع عليها، وتم استدعاء نماذج لممارسات سلبية في واقعنا من قِبل الرجل تجاه المرأة، فسلَّط عليها الضوء، وضُخِّمت- ومن خلالها- خُوطبت المرأة المهضومة والمنكسرة، تلك التي يتحكم فيها زوج وأب إزاء هذا الإلحاح استيقظت نسوة كثيرات على شعور بالغبن ناقم ومتمرد على كينونته الأنثوية، سر تعاستها وضعفها، والتي تقف دومًا في موقف المتلقي والمفعول به لا الفاعل المؤثر والموجه.

وبدا لها في كثيرٍ من الخلط، والتغليط والتضليل أن تقف دون أي ممارسة من الرجل من شأنها بخس قدرها، أو غمطها حقها، وهذا كله حق لكنه يُطلق ليراد به أمر آخر ووضعية أخرى، فلم تكن المرأة منطقيةً ولا عاقلة إزاء رجل له طبيعته، في محاولتها استعادة كرامتها وحقوقها، فلم تستطع القفز على آلامها في تعاطٍ واعٍ ومنضبطٍ ومتزنٍ مع الرجل، بما يحقق لها ما تنشده من توازنٍ نفسي، اختلفت فيه رؤى المرأة واختلت لديها معاييره، هنا تمردت المرأة، ولم ترَ من حلٍّ سوى الطلاق، لتكون سببًا رئيسًا في إحداثه، أو توصيل الحياة ليكون هو الخيار.

إذن نحن بصدد ظاهرة تسليط الضوء على سلبية الرجل، وممارساته السيئة تجاه المرأة، من خلال رؤية الطلاق حلاًّ، والتعامل معها بحدة وعنف من جانب المرأة، ولو أُريد الخير لكان التعاطي بشكل آخر، يعاد من خلاله تثقيف الرجل، عما يراد بالأسرة كيلا يكون مسهما في تقويضها وهدمها، ومن هذا التثقيف تقّبله لهجة خطاب مغاير من المرأة، ربما تكون المرأة فيه أعلى صوتًا، وأكثر استغناءً، وهنا يكون مطلوب منه محاولة إعادة الاتزان وضبط الصورة، والمفاهيم على الوجه الصحيح عن مقتضى دور كل منهما، لتخطي أي عقبة يمكنها أن تصل بالزوجية إلى انفصال، من خلال سلوك قدوة دال على احترام وتقدير.

ولكي ينجحا معًا في تخطي المشاكل والعقبات، لا بد من تمثل قيم ومثل ومكارم أخلاق الإسلام، في ضبط ردود الأفعال، وعدم التوقف عند كل شاردة وواردة، وأن تتوفر ثقة بينهما، وحرص على توادٍ وتواصل، واستقرار واستمرار، واستبعاد أن يتنافرا أو يتباعدا تحت أي ظرف، وقبل ذلك على كلٍّ من الزوجين الدعاء وكل منهما يقبل بالآخر أن يرزقه الله حب شريكه، وألا يحرمه تلك النعمة، التي تُؤلِّف القلوب، وتربط عليها صبرًا على الصعاب، وتحملاً للأذى، وأن يلتقيا على طاعة الله، وأن تضبط خلافاتهما أحكام شرعه سبحانه، وأن يتوفر كثيرٌ من الحرص على التوافق والتفاهم من أجل استقامة الحياة وصلاح الذرية برًّا ووعيًا.

أما عن تفشي الطلاق بما يُخيف ويُهدد استقرار المجتمعات المسلمة، حتى إنه ليبدو كما لو كان الأصل، فإن استهانة الرجل والمرأة بالحياةِ الزوجية، وعدم تمثلها في شيء من التقدير الذي يُملي انتماءً وولاءً وحرصًا على الاستمرار والاستقرار، فثَمَّ سلوك مستهتر يُنهي الحياةَ الزوجية، دون اعتبارٍ لعواقب ذلك، ولعلها أيضًا تفاهة الاهتمامات، وتنافر الطباع وغرور أي منهما واستكباره على الآخر، واحتقاره، في سلوكيات بغيضة ومقيتة.

ولعلها الحياة الخاصة حين يعجز أحدهما أو كلاهما عن تحقيق أي درجةٍ من درجات التوافق الجنسي بينهما، فينعكس ذلك على مشاحناتٍ ظاهرها غير دوافعها.. يبدو أيضًا أن الترويج للمطلقات باعتبارهن الشريحة الأكثر عطاءً ونشاطًا على كل المستويات الثقافية والاجتماعية، يبدو أنه فتح الشهية لكل مَن تعيش مع زوجها على حرفٍ للطلاق، فقد وجدت ذريعةً ومخرجًا مشجعًا.. نلحظ أيضًا تغيرًا في القناعات بشكلٍ سلبي تجاه استقرار الحياة الزوجية، فعلى حين كانت المرأة دومًا هي مَن يُضرب بها المثل في المحافظة على البيت واستقراره والوصول بالزوجية إلى برِّ أمانها بتجنيبها المشاكل، في ظل رجل، لو لم يكن لدى المرأة ذلك الحرص وتلك القدرة على رأب الصدع لانفكت العرى باكرًا، إلا أن المرأة اليوم صارت أكثر قابليةً واستعدادًا للانفكاك عن الرجل، لمجرد أنها لا تراه يُحقق لها توازنها النفسي، ولو لم يكن بدرجةِ السوء التي تقتضي الانفصال ثم استغناء عن الرجل لدى المرأة.

المرأة اليوم صارت تُلجئ الرجلَ للطلاق في كثيرٍ من الحالات؛ فعملها للأسف كان له مردود سلبي على كثيرٍ من قناعاتها المنعكسة سلبًا في تجاوبها مع الرجل، أمام ما يعترض الحياة الزوجية، حتى إنه انسحب على قناعتها بالقوامة التي له، واختزلتها في الإنفاق الذي تقوم هي به، ومن ثَمَّ تسلبه تلك القوامة، ولا ترى أنه له موجب الكلمة العليا.. يمكن أيضًا رصد فلسفة مغلوطة تُعيد تفسير إرثنا الثقافي، بما يوافق رؤيتها لأسباب تدني وضعية المرأة في الحياة الزوجية، ومن هذا الإرث أمثالنا الشعبية التي تُكرِّس احتمال الأذى، وإيثار الصلة مع تحمُّل بعض العلات ، مما أدَّى إلى زعزعتها وإضعاف تأثيرها الإيجابي في إحداث الاستقرار احتكاما إليها يبدو أيضًا أن ثقافة الأنا هي التي تحكم كلاًّ من الرجل والمرأة، وإن كنت أراها أكثر شيوعًا لدى المرأة، من مثل تغليب الذات، والتهوين من شأن حقوق الأولاد، والنظر إلى الحقوق في ترجيحٍ واضحٍ لحقها هي مهما ترتب عليه من غبنٍ أو ظلم، مما غيَّب قيم الإيثار والجماعة والمجموع ليكون حق الفرد هو السائد والحاكم في غير مواءمة بين مجموعة الحقوق والواجبات بالطبع الرجل ليس غائبًا عن تأثيرٍ له أكبر الخطر في تهديده الحياة الزوجية، فثم فرق بين طباع لا بد أن تكون موافقة لآداب الإسلام وقيمه وسلوكيات تخالف المروءة والرجولة.

ولا بد ونحن نتعرض للمشكلة أن يستقرَّ في الذهن أننا بصددِ وضعٍ غير طبيعي، وأن الطلاقَ على تلك الشاكلة التي مثَّلت ظاهرةً، ليس هو الطلاق المتأدب بضوابط الإسلام، وليست الحياة الزوجية هي تلك التي تتمثل أهداف وغايات الزواج، وإلا لو كان الأمر كذلك لانتفت هذه الظاهرة، ولظلَّ الطلاق حالات فردية لا تُمثِّل خطرًا، ولا تُشكِّل قلقًا، لكننا بصدد ظاهرة أي مرضٍ لخلل حادث في أخلاق ونفسيات، أي وضعية غير طبيعية في مجتمع الإسلام، ومن ثم التجاوب معها كوضعٍ شاذ، ومرض لا بد من استئصاله أو تحجيمه، والحيلولة دون توسيع قاعدته، لا التجاوب معه كواقعٍ يجب تطويع المجتمع للقبول به في صورته المتفشية، ومبرراته غير المنطقية في كثيرٍ من الأحيان، بحجة مقتضى العصر ومستجداته من المفاهيم والقناعات، والطلاق لا يكون ناجحًا إلا إذا توصل الزوجان معًا، وهما على استقامة خلق وسلوك، بعد محاولات مستميتة للاستمرار والاستقرار، والتطبيق الفعلي لضوابط تجنبه ووسائل الحيلولة دون وقوعه، وتقبيحه، بحيث يكون قرارًا ثنائيًّا لم يقم على خصومةٍ وعنادٍ وانتقاصٍ وتحقير، لكنه قرار للإصلاح والخروج من منعطف استحالة العشرة على نحو لا يقبل به أحدهما أو كلاهما، بناءً على معايير شرعية ومنطقية وليست مجرد أهواء ونزغات شيطان أو استجابة لتخبيبٍ من هنا وهناك على أن تكون الحقوق محفوظة، والكرامة مصونة، وأن يكون الأولاد هم الهم الأولُّ الأولى بالنظر والاعتبار، وتقدير العاقبة لكيلا يُضاروا بمثل هذا القرار.

وأحسب أن اعتباره ناجحًا قصر هذا النجاح بحسب كل حالة وما يوافقها، ففي أخرى قد لا تكون مقومات النجاح سوى سبب لاضطراب واختلال فيما لو كان الطلاق خيارًا أخيرًا لها، إن خطابًا يتوجه بالنظر لطلاقٍ ناجحٍ في ظلِّ ظروف وملابسات على نحو ما نرصد، لإيقاعه (شيك ومودرن) بما يعززه، ويروج له، من خلال تهوين أثره وتأثيره، بتسهيله وتيسيره، هذا الخطاب نتج عن فهم مغلوط للطبائع والطاقات في تحملها واحتمالها، لمنعطفات أو مشاكل تبدو على سطح الحياة الزوجية.

وإن مقولة جداتنا: (لكل دار مدار) كانت بحق ناتجة عن فهم صحيح لمبدأ أن ما يصلحك قد يفسد غيرك، وما يحقق لك أو لها التوازن النفسي قد يربك آخر أو أخرى، فالممارسات الخاطئة والتعسف في استعمال الحقوق قد يجد في ذلك الخطاب ذريعة لفضِّ المسيرة.

وهذا هو المحك الأصيل للمسلم والمسلمة في قياس مدى مصداقية القناعات والأفكار والمثل، وما لم تكن ذات مردودٍ إيجابي يستعلي على السوء في ردود أفعاله وتجاوباته، فلن نرى شيئًا من ممارسات تنضبط بخلق أو قيمة؛ لأنها تظل في فصامٍ بين النظر والتطبيق.
----------------
طالع المقال على موقع : إخوان أون لاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق