الخميس، 5 فبراير 2009

آخر صيحات الموضة.. فتاة ربيع وصيف 2009

تقرير : تهاني السالم
- أريج الطباع : هَوَس المُوضَة حينما يَتَحَوَّل من وسيلة لغاية، يستهلك الوقت والمال والعقل.
- أ. ماجدة شحاتة : الكثيرُ يُريدُون منَ الزوجة أن تكونَ على شاكلة فتاة الإعلان، أو المسلسل المرئي.

الجمالُ والزينة مما فُطرت عليه المرأة منذ نشأتها؛ وذلك نظرًا لِخَصَائص المرأة الفسيولوجية التي تُميّزها عن الرجل؛ ونظرًا لأهمية الجمال والأناقة والزينة والاهتمام بالمظهر الخارجي للمرأة، الذي قد يخرج في أحايين عن إطاره الطبيعي إلى هوس وَوَلَع في التَّسابُق؛ لاقتناء كل ما هو جديد في عالم الموضة؛ سواء كان هذا الجديد يوافق الشريعة الإسلامية، فضلاً عن العادات والتقاليد، أم أنه يخالفهما، إنما المهم في نَظَر الفتاة أن تكونَ مُوَاكبة للموضة والتَّقَدُّم الحضاري، ومتميزة بأناقتها أمام صُوَيحباتها، حتى وإن كانت هذه الموضة أو التَّقليعة الجديدة لا تَمُت إلى الهُوية الإسلامية أو العربيَّة بشيء.

"الألوكة" فَتَحَتْ ملف الموضة والفتيات، وما أسباب الاهتمام المُفرط لديهنَّ باقتناء كل جديد في عالم الموضة، والجري خلفه بلهفه؟ وهل الموضة ومُتَابعتها تُدَلِّل على الأنوثة؟ وكيف نُعزز تميّز الفتاة المسلمة بِهُويتها الإسلامية؟ وغيرها من الأسئلة في ثنايا هذا التحقيق:

سبب الاهتمام
بدايةً تَتَحَدَّث أ/ أريج الطباع "المستشارة النفسية"؛ مُوَضِّحة أسباب اهتمام الفتيات بالموضة والتقليعات الجديدة، فتقول:
"هل يقتصر الأمر على الفتيات فقط؟ أم بات داءً يشمل المجتمع بما فيه من شباب وفتيات؛ وحتى تَوَسَّعَ لِيشملَ الأطفال والناضجين؟ أَتَوَقَّع أن من أهم أسبابه قوة تأثير وسائل الإعلام التي اجتمعت مع خواء داخلي، وحاجة لم تشبع للظهور والتعبير عن الذات بمظهر لا يقل عن الأقران، أيضًا للتَّنْشِئة الاجتماعيَّة دور كبير؛ حيث يَتَأَثَّر الطفل بمن يربيه، والمشكلة أن وسائل الإعلام والأصدقاء صاروا هم مصدر التربية الأول، مع غياب دور الأهل، أيضًا الاهتمام بالمظهر صار يَطْغى على الجَوْهر، وهذا شائعٌ بكثرة مع غياب التَّربية الحقيقية، حيث يهتم الناس بالمظاهر ويحكمون بها، وليس غريبًا هذا مع غَلَبة الماديات وقيمتها على كل شيء بالحياة.

الموضة والأنوثة
وفي سؤال "الألوكة": هل الاهتمام بالموضة من قِبَل الفتيات، مُؤَشِّر للدَّلالة على الأنوثة؟
توضح أ/ الطباع قائلةً: "الأنوثة ليست شيئًا ماديًّا ملموسًا، هي شيء ينبع من الداخل، التدريب عليه يكون بالتَّدَرُّب على الثقة، وتقدير الذات، فقد خلق الله الفتاة وبها مقومات الأنوثة التي تجيد الفتاة التَّعامُل معها منذ نعومة أظافرها، وهي تلعب بدميتها، ولا شك كلما كبرت الفتاة كلما زادت تَفَتُّحًا على هذه الأنوثة، التي تضج بداخلها، التربية السليمة وربط الفتاة بالغاية من خلقها بطريقة سليمة، تدرك بها أنها لها دور عظيم بالحياة لا يقتصر على جانب الأنوثة فحسب، وتدخل الأنوثة ضمن روائع تميزها، وأن تَتَعَلَّم كيف تكون الأنوثة، ومتى تظهر، وكيف هي ضوابطها، لا شك أن الفتاة الواثقة تجيد التعامل مع الموضة بما يناسبها، وبما يناسب ثقافتها ومعتقداتها؛ لكن تطوع الموضة لتكون تحت تصرفها لا العكس.

تعزيز الثقة بالتميُّز الإسلامي
وتضيف أ/ أريج موضحةً كيف السبيل لتعزيز ثقة الفتاة بنفسها، وَفْق أُطُر الشريعة الإسلامية بقولها:
"يكون ذلك بالتَّدريج منذ نعومة أظافرها، ويحتاج الأمر أن تنشأ عليه؛ ليكون مغروسًا بداخلها يمتزج بقناعاتها، ثقة الفتاة بنفسها تجعلها تثق بالتميز الذي اختاره الله لها، وأيضًا الطريقة الصحيحة بالتربية التي تُرَكِّز على تربية الجوهر والتركيز على القناعات الشرعية والقيم، لا التي تهتم فقط بالمظاهر، وتُرَكِّز عليها دون أن تربطها بأصولها، حينما نربي الفتاة تعرف الله وتحبه، ستهتم بما يرضيه، ويكون لها الأولوية بحياتها بالتأكيد، أيضًا ارتباط التَّربية بالنماذج الحيَّة والقدوات من الماضي والحاضر له أكبر الأثر".

وتُؤَكِّد "الطباع" أن الاهتمام بالموضة قد ينحى منحى آخر، فيصبح هَوَسًا، قائلةً:
"حينما تَتَحَوَّل الموضة من وسيلةٍ للأناقة، ومِن شيء تَتَحَكَّم به الفتاة وَفق ما يناسبها وما تحتاجه إلى هوى، يَتَحَكَّم بها، ويسيرها فوق إمكانياتها، وبما لا يناسبها ويخالف ثقافتها، وحينما تتَحَوَّل من وسيلة لغاية تستهلك الوقت والمال والعقل".

الإعلام والموضة
ومِن جهة أخرى تُؤَكِّد الكاتبة الإسلامية أ/ ماجدة شحاتة، أن الموضة من تأثير السياسة الإعلامية:
"عندما يقع المجتمع تحت تأثير سياسة إعلامية غير راشدة أو هادفة؛ بل منَ المُمكن أن تكونَ موظفة لتوجيه وتشكيل العقليَّات والنَّفسيَّات والاهتمامات، فلا غرابة أن تذوب خصوصياته، أو تهمش ثقافته وتصاب هويته بالضبابية، ويظل يرقب خطو من يتبعه، متلقفًا ما يأتيه منه، معتقدًا أنَّ السِّباق إليه تحضر ورقي وعصرنة وحداثة، من هنا تطفو على السطح أعراض لعلل تَتَّصل بالسلوكيات السطحية والاهتمامات غير ذات الشأن، تمكنت من المجتمع، بشكل مَرَضي، مع أنه ربما كان بعضها له وجاهة وقيمة، غير أنَّ الانحراف بها عن حد الاعتدال، أَوجَدَ نظرة منكرة لها، ومصادرة بالكلية عليها، يمكن رصد هذه السلوكيات لدى الأفراد اقترابًا أو ابتعادًا من قيم الإسلام ومُثُلِه، أو تحللاً بالكلية منها، ومما طَفَا على السطح الهوس بالموضة والتقليعات الأحدث في عالم المرأة وزينتها، بحيث صار الدَّوران في فلك كل مستجد ظاهرة، تسترعي النظر، ولو أن الأمر غير مغالًى فيه لَهَان ولما اعتبر مرضًا، يحتاج لعلاج؛ لكنه يُثير الحيرة والدَّهشة، إذ يصبح المظهر هو جُل اهتمام المرأة، والفتاة على وجه أخص، وعلى قدر ما تحوز وتقتني الجديد وسرعة المبادرة إليه، تقاس أناقتها ومكانتها، وربما يَتَحَقَّق لها توازنها النفسي واعتدالها المزاجي، ثمّ فراغٌ نفسي وعقلي وأسري وعاطفي تعيشه الفتاة، وثمَّ فصام تَحْيَاهُ بين مقتضى دينٍ وسلوك مُنافٍ تتخذه، ويبدو أن ذلك راجع لغياب القدوات الفاعلة منَ النساء، في الواقع المشاهد، وهو انعكاسٌ لِفَرَاغ كبيرٍ، وفصام وَنَكَد تَعيشه الأمة ككُل؛ نتيجة استهدافٍ أَدَّى مهمته على مدى قرن كاملٍ، اشْتَدَّت حركته وفاعليته في أقل مِن ربع القرن الأخير، في مسخ وتَشْويه مُجتمعاتنا".

الخطاب الدَّعوي ودوره
وتُضيف أ/ ماجدة شحاتة فتقول:
"هناك أيضًا إعلامٌ قَدَّمَ الفتاة في صورة مُسِفَّة؛ لكنها جذبت إليها أنظار الشَّباب والرِّجال، وصارت هي الصُّورة أو النَّمط المطلوب، مما أَدَّى إلى اللَّهث خلفه بتقليده في كلِّ شيء؛ طمعًا في نيل الإعجاب الشبابي، أو الرضا الزَّوجي، فالكثيرُ يُريدُونَ منَ الزَّوجة أن تكونَ على شاكلة فتاة الإعلان، أو المسلسل المرئي، ثَمَّ خطاب دعوي أيضًا بالرَّغم من أنه يريد تفعيل دور المرأة خارج مؤسسة الزوجية؛ إلاَّ أنَّه دومًا يُرَكِّز على أهميَّة الْتِفات المرأة لنفسها من حيثُ الزينةُ والشَّكل، مما أعطى بُعدًا أكثر لهذه المسألة، إلى درجة التَّفَنُّن كما هو نص الخطاب، جميل أن يكون للفتاة والمرأة على وجه العموم اهتمام بحسن المظهر، ووسائل التَّجَدُّد والتَّزَيُّن؛ لكن يبقى ذلك كله في حدوده وأطره؛ بحيثُ لا يكون في بداية سلم الاهتمامات، ولا يطغى على الأولويات، فيستهلك الوقت والجهد والمال دون أي جدوى تأخذ بالفتاة نحو الآخرة؛ ولكنها فتنة وإثارة في مجتمعات تتسم بالاختلاط والسفور، وهو إسراف في غيرها، ودليل تسطيح وتهميش لاهتمامات الفتاة، ومما أعجب له ذلك الإسراف في مجتمع غير مختلط؛ لمجرد أن المرأة تلتقي بنظيرتها في تنافُس عجيب على سبق وتَفَرُّد في تتبع أحدث الموضات في الملبس والزينة، وقَصَّات الشعر وتلوينه دونما حاجة، مع أنه لو كان لِزَوْج ما رأت كلَّ هذا الحرص".

الاهتمام بالجمال
ثم تُؤَكِّد أ. ماجدة أنَّ هذا الاهتمام فطري لدى الأنثى، قائلةً:
"وبالطبع لا يمكننا المصادرة على فطرة وغريزة لدى الأنثى؛ {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18]، لكن يمكن ضبط المسألة:

1- توجيه الفتاة للاهتمام بالنواحي العمليَّة، وأن تكون جادة في اهتماماتها، وأن تدمجَ في مجموعات عمل ثقافي تربوي فني، أو خيري اجتماعي للارتقاء بها.

2- أن تُوَجه ما أمكن إلى دورات تنمية الذات واكتشافها، وتسهيل تلك الدَّورات، بحيثُ تكون في متناول الجميع يمكن التربية على فَضِّ الاشتباك بين الاهتمام بالأنوثة، والمظهر المثير.

3- لا بدَّ منَ الانتقال بالفتاة منَ الاهتمام بالجسد إلى الاهتمام بالعقل، والتشكيل النفسي والفكري؛ ليكونَ الاهتمام بالشَّكل والمظهر في حُدُود طبيعيَّة مقبولة ومحتملة، لا بدَّ أيضًا منَ المواءمة بين متطلبات الجسد والعقل والروح، فلكلٍّ ما يشبعه، دون شَطَط أو مُغَالاة، وعن طريق استدعاء نماذج القُدوة في البيئة المحيطة لنساء متميزات، جمعن بين الدِّين، والخُلُق، والتَّفَوُّق العلمي، والمظهر الحسن في نفس الوقت، مما حَقَّق لهنَّ نجاحًا ظاهرًا، واحترامًا وتقديرًا، مما عكس مثالية هي أصل في ديننا، من حيث اقتران الدين بالتناغُم، والتناسُق، والنظام والجمال، وليس القُبح وسوء المنظر والفوضى.

4- لا بدَّ من مُحَاولة إخراج الفتاة منَ الإحباط الذي يصيبها؛ نتيجة تأخُّر الزَّواج، وعدم استيعابها في دراسة جامعيَّة، أو تكليفها بالعمل بعد الحُصُول على المُؤَهل الدراسي، في خطاب يضبط كل ذلك؛ بحيثُ لا ينفلت عند الممارسة والتَّطبيق، فثَمَّ خطاب يخاطبها على مستوى إعلاء الطاقات والقدرات، ويعلق عليها أملاً في مسيرة التنمية، دون أن يضبط أو يُحَدِّد لها أطرًا لتلك المشاركة، أو دون أن يكونَ لدى الحكومات خطط لاستيعاب كلِّ ذلك، فتترك الفتيات نهبًا لِفَرَاغ يزج بها نحو اهتمامات لا تبني بيتًا، ناهيك عن بناء أمة . 
---------------
 طالع التقرير على موقع : الألوكة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق