السبت، 12 أبريل 2008

وذهب غيري بخيرك !


بقلم : ماجدة شحاته
كنت وأنا أهدهدك صغيرًا، ثم أربت عليك يافعًا، أتأمَّل كلَّ تلك التغيرات التي تتفتَّق لي عن رجل، يقرُّ الله به عيني ونفسي.

لا أخالك كنت واعيًا، وأنا أنظر إليك معجَبَةً بما تحقّق من نجاح وتفوُّق، فألتفت إلى أبيك وأطمئنُه أن غرسنا أينع وسوف تسرُّ بثماره أعيننا..

كل شيء كنت أضعه بين يديك، كدِّي وعرقي بعد رحيل أبيك، كنت أتمثَّل أم سفيان الثوري، وهي تدفع بولدها إلى طلب العلم، وهي تطمئنه أنها ستكفيه بمغزلها، وكان لي مغزلي الذي لم يُرِق ماء وجوهنا، فحفظت لك بين الناس كرامةً ومكانةً، وصُغت لك من حسن سيرة ومسيرة ما تفخر به وتركن إليه.

ثم آليتُ على نفسي أن تبكِّر بالزواج، وألا يطول انتظارك، فلا تحسُّ بعجز اليتيم ووحدته، فكنت لك الأم والأب، وما تعجَّلت زواجك إلا لأجْل أن يظل بيتُنا، كما كان، بيت الود والرحمة مفتوحًا، يسع الجميع، وتملأ جنباته ضحكات صغارك، ويتحقَّق حلم العائلة الذي انقطع بموت أبيك، وتخلف الكل عن تواصل وتوادّ.

لم آلُ جهدًا، ولم أدَّخِر طاقةً، وصاحبْتُك على مسيرة الخير والبر، وعرفان فضل الله، إذ كان علينا عظيمًا..

كنت أرقب خيوط بيت العائلة من خلالك وأنسجها بكل ذراتي.. أصابر وأثابر، مهوِّنةً على نفسي صعابًا شدادًا، واقترب الحلم، وآن لي أن ألقي عن كاهلي عبء سنين مضت، ومسئوليات خلَت، فقد وهن العظم مني، وأوشك العمر أن ينقضي.

غير أنك لم تكَدْ تنجز المهمَّة حتى أقمت جُدُرًا فاصلةً بين حياة وحياة، ولم ترَ أن مقتضى حياتنا واحد، وأن ثَمَّ قواسم مشتركة لا بد أن تجمعنا، كما كانت من ذي قبل، فعلى سعة بيتنا آثرتَ بيتًا آخر فرحلت إليه، وكانت أول طرقة صادمة في جدر حلم ظننتُه تجذَّر في كيانك كما هو في عمقي، وكانت خطوة فارقة وفاصلة.. كان عليَّ التهيُّؤ لتداعياتها؛ فهي أخف وطأةً؛ إذ هان الأخطر مع أولى خطاك.

لا أدري أي قلب تحمله بين جنبيك وأنت تنام ملء جفنيك، ولا يقضّك أن يفرغ عليَّ البيت؟! وحدي أعد طعامي، ووحدي أنام أرِقَةً قلقةً، يفزعني أن أُقبَض فلا تهنأ عيني برؤيتك، ولا يغمض جفني بعد استسلام جسدي كفٌّ حانٍ..

آه!! ما أقساك! وما أشدَّ فجيعتي فيك!

وبرغم ذاك آليتُ على نفسي ألا أُظهر لك إلا ما تودّ ويسعدك، ما دمت عن تفقُّد حاجتي غافلاً؛ فالذوق الرفيع إحساس وهبة قبل أن يكون فنًّا مكتسبًا، وأهنأ بهاتف منك، بلا حرارة شوق أو دفء حب، أو بزيارة عابرة وربما خاطفة، تجفل بعدها كأن هذا البيت بكل ما فيه لم يكن معاهد صباك ومغاني شبابك، فكأن لا صلة لك به .

وامتلأ بيتك بالأحفاد وما أعزَّ الحفيد! غير أنك آثرت، بضوابط ما، أن تجعل لمقامهم عندي موعدًا وربما انفلاتًا عن ودِّي.

وقد كنت أرجو أن أشاركك الهم وعبء التربية والتنشئة على مكارم الأخلاق؛ لعلها تنبت ما لم تنبته فيك، وها أنت تغادر الوطن، ويفتح الله عليك من بركات رزقه، فتدعني وحدي تقتلني وحدة، وتذبحني حسرة، على غرس لم أجد له ثمرة.. تلاوعني غربتك، وتذهب بي نفسي إلى توسُّم الخير فيك، وأن تجد مبررًا يجمعني بك، وفي كل هاتف تتخلَّله نداءات بنيك، أترقَّب بشراك لي بالسفر إليك لعل نفسي تقرُّ، غير أنه في كل مرة يخيب ظني، وأنطوي على همِّي؛ إذ لن أكلِّفك شيئًا، فما زلت بحمد الله قادرةً على استغناء مادي وصحي عن الآخرين، فلن أكون عبئًا على أحد، بل ربما ساهمت في استقرار أسري، كما كانت أمهاتنا وحمواتنا.

أفيق من لواعجي وقد خلت سنون على طعنة نافذة وحسرة قاتلة؛ إذ أرى حماتك أم زوجتك على كثرة أصهارك تتنقل إليك كلما لاحَ لها أن تترفَّه وتمكث بالشهور، قريرة النفس والعين بمرأى ابنتها وأحفادها، وأُحرَم منك إلا من زيارة سنوية كما هو الغريب، وتضنُّ بمقامي عندك فترة مكثك بيننا، شأني شأن كل من حولك ولا أحسب أن لي وضعًا خاصًّا! حتى بناتك وبعض بنيك عندما اقتضت الضرورة استقرارهم في قصرك المنيف الذي شيَّدتَه أبَوا، بل أبيت، إلا إقامتهم مع جدتهم لأمهم!!.

أتراني يا ولدي على مسيرة عمري معك لم أكن تلك الأم الرءوم التي يقتضي دورها معك أن تبرَّ بها، وتقسطَ إليها، فتعرف لها معروفًا، وتحفظ لها جميلاً؟!

آه!! ما أشدَّ أن تلجأ مثلي إلى ذكر فضل على جاحد!!

أتراني يا ولدي كنت أنانية فاشتممت مني خوفًا وحذرًا من إقامة معك؟!

أم تراني من تلك اللواتي يضعن أنوفهن في كل شأن من شئون أولادهن؟!

أعلى الجحود ربيتك؟! ألم تكن تراني وأنا أتنقَّل بين أعمامك وعمَّاتك، أسأل وأتفقد وأزور وأبرّ، برغم جفوة الجميع؟!

ألا تراني أعفّ عن نصيحة كيلا يساء فهمي فيفسد ما بينك وبين زوجك؟!

ألا تراني وأنا زاهدة فيما تُحضر لي ألا يكون ثَمَّ إسراف أو تبذير، وأن توجه مالي لغيري، فهل لم يطمئنك هذا أني غير طامعة فيك؟!

أتراني يا ولدي ولو مرة كنت مستخفَّة بزوجك أو بأمر من أمورها؟!

لِمَ إذن تشعر بثقلي؟!

تصادر وتجحد صحبتنا مذ يفعت؟!

لا ترى حقًّا لي فيما تنعم به؟!

تنفق بسخاء على أمِّ زوجك في حلِّها وترحالها ولا أثَر لنعمتك عليَّ؟!

وحدي أكابد همي.. وحدي يعتصرني همّ أخبار يتناقلها الناس عن نعيمك وفضلك، الذي تتحدث به حماتك داعية لك بكل خير، وفي كل موطن..

أتراك لست بحاجة إلى دعوة مني؟!

أتراك تذكر أن وضعًا معكوسًا كان يجب أن يصحَّح؟!

ألا تراك بُنيَّ قد ذهب بخيرك غيري، وكنت أنا مَن دفع ثمنه؟!!
--------------
طالع المقال على موقع : إخوان أون لاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق