السبت، 14 أبريل 2007

صمت الأقلام

بقلم : ماجدة شحاته
ويتعدد الصمت منسحبا على كل سكون لا حراك فيه ، فالليل صامت ، وكذلك القفر الموحش ، وأبلغ الصمت ، في الدلالة والاعتبار، صمت القبور ، إذ ينطق النفوس ، ويوقظ الضمائر ، فتعلو أصوات في الأعماق ، ربما كان لها ضجيج ، يحيي الموات ، ويحّرك الجمود ، نحو الحق ، والعودة إلى الرشد ، والإنابة عما اقترف ..

وحين تصمت الألسنة عن الجهر بالحق ، وتسكت عنه ، فلا خير فيها ، مهما حلا قولها ، وعذب لفظها ، ورقت عباراتها ؛ لأن السكوت عن قول الحق مغيب للحقائق ، مضيع للحقوق ..

ولا يجمل صمت الألسنة إلا عن فحش وغيبة ،وسوء قول تكون له جراحات لا تلتئم ..
جراحات السنان لها التئام  ..  ولا يلتام ما جرح اللسان

فإن ذهبت تعالج الأمر لم تعالج إلا ظاهره ..
فقد ينبت المرعى على دمن الثرى  ..  وتبقى حزازات النفوس كما هي

أما صمت الأقلام ففضيلة ، حين تمسك عن نشر فتنة ، وإشاعة فاحشة ، ودعوة إلى منكر وحض عليه ،فهي إن فعلت كان حصادها كحصاد الألسنة ، يكب بصاحبه على وجهه في النار أعاذنا الله منها .

ولكن هذا الصمت بين الأحبة ومن نما بينهم وحدة في الفكر والحس ، والتوجه ، إنما يعد رذيلة إذ يطفيء وميض القلوب ، ويحجب شعاع العقول ، فيبقى كُّل في عمقه ، من غير استثارة تشعل وتضئ ..

فكل من هؤلاء يحمل لصاحبه توقيرا وتقدير ا ، وبينهما أشواق إلى سمو غاية ، ونبل هدف ، إذ يحاول كل إخراج صاحبه عن صمته ، ليتكلم إليه بما يشجيه ، أو يرضيه ، فيخرجا ن معا من سجن أوقات ضاقت باهتمامات ، خارج طاقات الحس والشعور ، والتعرف على ملكات النفس وإبداعاتها ،هكذا يفعل لعله يلتفت إلى ذلك ، فيجري مداد القلم ، بما ينفع الناس ، ويمكث -إن شاء الله - في الأرض ..

وربما لو تُرك العنان لأقلام الأحبة ، ولم تصمت قليلا ، وأطاعت خاطرها ، لفاض مدادها ، بما لا تستطيع تحجيمه ، أو كبحه ، ومن ثّم يؤثر الصمت ، على ألا يطلق عنان القلم من داخل القلب ، وأعماق النفس ..

وبين ذوي الفكر يصبح لزاما إطلاق سراح اليراع ، من أعماق العقل والفكر ،فينضبط الحوار ، ويتدفق المداد ، أفكارا تتداعى ، ومشاعر تتنادى منسابة ، استجابة لطول ود ..

وعندما تصمت الأقلام في تلك المواضع ، يوصم صمتها بالقاتل ؛ إذ في جريانها تلاقح وفي تدفقها تلاق ، ولكل ومضه وبريقه ، ولكل وقعه على مرآة رفيقه ؛ فينقدح العقل ، ويتقد الشعور ، فتنهمر الكلمات ، لتحيي أمة ، وتبعث روحا ، تدب فيها حيوية ، وفاعلية وهمة ونشاطا ؛فتنهض من كبوة وتصحو من غفوة ، وتلك هي مهمة الأقلام التي لا تعرف الصمت عن الحق ، الذي تعتقده وصولا إلى تمكينه ، فلسانها لا يفتأ ، ومدادها لا يجف ، إذ يستمد قوته من غيث السماء ، ومدد الصدق ، وصحوة الضمير ، ووعي الفكر ، ورقة الشعور بالحق ، والجرأة على دفع ثمن الكلمة ، مهما غلا من الأرواح ليحيا من بعدها بعث جديد .
---------------
طالع المقال على : منتدى الإسلام اليوم
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق