السبت، 10 مارس 2007

البيت الكبير

بقلم : ماجدة شحاته
كل شئ من حولنا يتغير ، لم تعد بلدتنا كما كانت من ذى قبل ، خلعت عنها ثوب القرية ، وظلت عارية بلا ثوب يسترها ، ومن ثم لم نعد نعرف لها تصنيفاً ، استعارت من مدينتنا المجاورة الشئ الكثير ، مما كنا نعده مغايراً لأهلنا فى البلدة ..

حتى الأعراف والتقاليد تغيرت ، ولم يعد لها شأن ، لم يعد شئ يحكم الروابط بين الناس ، افتقد كل شئ إلى المروءة والنخوة والرجولة والطيبة ..

لم يعد الناس يعرف بعضهم البعض فى الطرقات والشوارع ، انسحبت المدينة فى أسوأ صورها إلى بلدتنا .. لم تعد البيوت كما كانت من ذي قبل ، تجمع بين جدرانها الجدود والآباء والأحفاد ..

مازلت أذكر جدتى ـ بركة البيت ـ كما كنا نسميها ، أمية هى ، لكنها تملك فى ذاكرتها عشرات من قصص البر والخير ، ومثلها من القيم والمثل ..

نهرع إليها عند الفزع .. تضمنا إليها .. تهوّن على أمنا سوء فعلنا ، تساعدنا رغم كبرها فى كل شئ .. نلتف من حولها بالساعات الطوال تقص وتحكى .. تسأل ونجيب .. تداعبنا تلاعبنا ..

كانت أجرأ من أمنا فى إرشادنا ونحن على أعتاب الحياة الزوجية ، تفرغ كل ما عندها .. دون أن نستشعر حرجاً منها .. ربما نستحى أحياناً ..
ربما احمرت وجناتها عند بعض الكلمات .. لكننا لازلنا نسمع أصداء حكمتها تتردد فى جنبات حياتنا..
كثير من تصرفاتنا الخاطئة نصوبها على ضوء توجيهها.. بفطرتها السوية ..

بيت العائلة فى بلدتنا لم يعد له وجود .. الزوجة لا تطيق الحماة .. والزوج لم يعد قادراً على التوفيق بين أفراد الأسرة .. الجد أو الجدة يذهب إليهما مرة فى الأسبوع .. وكثيراً ماتكون دون الأولاد .. البيوت ضاقت لم تعد تتسع للم شمل العائلة ..

الأعمام والأخوال ..الخالات والعمات ..حتى الجيران ..كان لهم في البيت مكان .. الغرف هى الغرف .. والبيوت هى البيوت ..
لكن النفوس هناك فى زمن الحب اتسعت للجميع .. لكل غرفة تأويه وتستره .. وفى زمننا ضاقت النفوس قبل البيوت المتسعة فلم تعد تحتمل غريباً يقيم دوماً بينها ..

صارت الأصول غريبة .. فالأسرة لم تعد سوى أب وأم وولد وبنت .. وما عدا ذلك فدور الإيواء أولى .. أبناؤنا أكثر شراسة وعناداً ..إ لم يعد جدَ فى البيت يهدئ .. ولم تعد فى البيت جدة تستوعب.

لم يعد العم أب ثانٍ قد نجد صدره أحن وحضنه أدفأ من أبينا .. خلا بيت العائلة من أصول كرام ، وبركات عظام .. فخلت الحياة من هدوء النفس وراحة البال ..

إذ لم يعد أحد معنا يحمل عبءا، أو يذهب هماً .. لم يعد أحد يخفف من حدة ..أو يلطف من شدة .. صرنا وحدنا نتلقى الحياة بكل همومها منذ هدمنا بيت العائلة .. واستقل كل فرد فى حياته .. كما استقلت كل الدول عن الخلافة .. فباتت الحدود أكثر إبعاداً .. والترابط أكثر صعوبة .. العصبية صارت تحكم الجميع .. لا يكاد يفيض أحد بخير على ما سواه .. بعدت الشقة بين الأشقاء وغاب الدافع للتآلف والترابط ، ماذا يحمل على التزاور ؟!

جذورنا انطمرت فى قاع سحيق ولا تجد أحداً ينبش عنها ، تهدّم بيت العائلة كان نتيجة طبيعية لتهدم الخلافة التى انفرط بها عقد أمة بأسرها .. انسحب الاستقلال على كل شئ ولم نعد أسرة واحدة .. كما لم نعد أمة واحدة ..

مقومات التلاقى أكثر من رائعة .. عميقة .. ثابتة لا تتغير. واضحة لا غموض فيها .. ورغم ذلك لا نلتقي .. كما هى العائلة أرحام تتناثر ولا أحد يصلها .. غباؤنا مستحكم .. إذ نساق إلى الهاوية ولا صراخ.

غيرنا أنجزها وحدة مبدعة ، رغم اختلاف الأصول ، واللاجذور لكنها إرادة المصالح .. ولا إرادة لنا فى شئ على الاطلاق .. يجتمعون هم ونتفرق ..يبسطون .. ونعقد .. يثقون ونشكك ..

يوماً ما سيتحقق حلم العودة للجذور .. وسنجتمع على الأصول ما دمنا نحلم ببيت تقطنه البركة مهما كلفنا ذلك ..
سأحاول .. وسيحاول ابنى .. ولن نكلَّ فمن بيت العائلة تنطلق كل قيم ومثل التحاب والتآلف والتواد وال ترابط لنشر البر والخير والعدل
-----------
طالع المقال على : منتدى الإسلام اليوم
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق