السبت، 29 أبريل 2006

تجارةٌ مشبوهة وسطوٌ حرام

بقلم : ماجدة شحاته
يلاحظ أنه في أعقاب مؤامرة الحادي عشر من سبتمبر على الأمة الإسلامية، سواء أكان للقاعدة يد فيها أم لا ، وهو ما لم يثبت حتى الآن ، فإن كثيرا من التمييع والتزييف ، والتشويه والتهميش للحقائق يتم على عين الجميع ، وغدونا نتعاطى مع الواقع بكثير من القناعة بأهمية التساهل والتجاوز لتحقيق ما هو أعلى مصلحة وأوفق في التلاقي مع الآخر المتعدي بقوته دائما .

ومع رصد لتيار العولمة ، وأهدافها المتضحة آثارهاالسلبية ، نجد أن الجهر بمسألة الخصوصية لا يتم إلا حالة الاعتداء الصريح على النص ، من قبل العلماء ، أما الأتظمة فالخصوصية متكأ لها عند تبرير تقاعسها عن تفعيل مطالب حقوقية للإنسان سيما المرأة ..

أما عدا ذلك فهمس خافت لا يسمع ، وعملية التجاوب مع المغالطات الكبرى في حق الأمة وشعوبها فتتم من غير مفاصلات واضحة تميز بين الحق والباطل ، بدءا من الاعتداء السافر على العراق واحتلاله ، مرورا بالقفز على تقسيمه وتشييعه ، دون نكير على حكومة عميلة تم تنصيبها على أسنة الحراب ، إلى أنظمة تحتاج إلى شرعنة ليستبين حكمها الشرعي من حيث الولاء والبراء .

وبعيدا عن السياسة إلى الإعلام يصبح الحديث عن ثقافة العري والمجون هو الأخطر ، فمنذ انفتح الفضاء ، متجاوزا الحدود والأصقاع ، أخذت ثلة من أثرياء المسلمين على عاتقها ممارسة تجارة غير مشروعة ، سواء أرادت استثمارا أم حققت مصالح من خلال التواجد على رأس هذه التجارة المشبوهة ، بالوكالة عمن يريد شيوع الفحش والرذيلة ، بأيدي المسلمين ، وما أعلمه أن لتلك الثلة من رجال المال تجارات عدة ربما شابها ارتباط وعمالة ، باقتصاد السوق ، وسياسة الخصخصة لتمكين الشركات عابرة القارات من أقوات وأرزاق عالم المسلمين ، لتظل سياسة الإفقار ماضية دون توقف مهما ازدادت موارد هنا وهناك ، أو قفزت إيرادات النفط فيما يشبه الطفرة التي ربما لن تتكرر ..

وهذه المجموعة في غني عن تجارة الابتذال عبر الفضائيات ، كما كانت هي وغيرها في غني عنها عبر وسائل الإعلام المطبوع ، وكف أيديهم عن مهمة إشاعة الفحش في مجتمعاتنا ، ولا تصبح الأمة في حاجة إلى فتوى لا تجد مناصا من اعتباره قائما وعلى المسلم أن يغالب هواه ويقاوم فتنا تذوب معها خصوصياته ، ولذر الرماد في العيون واكتساب مسحة من وجاهة أو قابلية لدى من يعتلج في صدره حاجة من هذه الأنشطة .

لا مانع من بعض برامج لعلماء أجلاء ، وسط زخم من المنكر والغث والفحش ، وعلى المسلم أن يميز مترفعا عن كل هذا ، وليلق مايلقى من عنت ربما لايهم .

الواقع إذن يشهد بإدانة لمثل هذه الأنشطة ، التجارية التي لاتخدم مصلحة معتبرة للأمة ، ولكنها تعد معاول هدم وتدمير وتخريب ، ومن يتابع يستثيره العجب :
لم كل هذا الزخم المجوني من فضائيات يمتلكها عرب مسلمون ؟؟ وقبل أن تمتد أصابع الاتهام بالمسئولية عن نشر الفسوق والمجون من خلال قنوات متخصصة لإنتاج وعرض تلك البضاعة الحرام من أغان فاجرة ، وأفلام فاضحة وبرامج تافهة ، يبادر بعض أصحابها إلى ممارسة نشاط آخر مغاير وعلى النقيض فارضا نفسه على إعلام إسلامي راق ، ليس برقي التمويل فهيهات وكلا ولكن برقي من قاموا به وعليه ، قفزا على حقيقة مايمارس خارج هذا الإطار الإسلامي ومن هنا تأتي إشكاليةالتزييف والخلط في التوصيف والتصنيف ، بإضفاء الشرعية والوجاهة الإسلامية على أشخاص لهم في ميزان التجارة الحرام وزن وثقل ..
هنا أيضا تتضح ازدواجية التجارة ونفاق المجتمع ، بالسطو على ثمرة لم يعمد إليها ببعض رذاذ إنعاشا لها ، وإبقاء على وجودها .لذا كان على هؤلاء إما التوبة عن الحرام وقطع الصلة به ، وإما البقاء في خندق الفحش الذي بادر إليه بمحض هواه وسن فيه أسوأ السنن ..

لست أدري كيف يرضى الإسلاميون الشرفاء بتعاون مع هذه النوعية التي لا يهتز لها طرف عن تجارة المجون ، استسلاما لقوة التمويل ، وخضوعا لسطوة ونفوذ المال ؟ كيف يسمح بإضفاء وإعطاء شرف تمويل هذا العمل الصالح لهذه الفئة المنكور عملها في نفس المجال ؟؟

لقد تربينا وفي ضمائرنا البسيطة ما يلقي في روعنا من التململ والتأنف من أعمال البر التي يقوم بها تجار المخدرات ، كمحاولة أخيرة لتبييض وجوههم وسط مجتمعاتهم التي تنظر إلى مشاريعهم الخيرية بارتياب ، أو ليس الله سبحانه طيبا لا يقبل إلا طيبا ؟؟

إن إنشاء وتأسيس إعلام يحض على الرذيلة وينشرها ويسهلها لتسويغها بلا نكير ، هو محض إرادات ورغبات أفراد ، وما كان لهم أن ينفقوا بعض فتات ريعها في تمويل إعلام الفضيلة جنبا إلى جنب .
ف (( الفضيلة حق يا أخي ، والحق حق في كل زمان ومكان ، لا يتغير بزيادة في جوهره ولا نقصان ، فإذا رأيت إنسانا يتحمس للحق والذود عنه في موطن من المواطن ثم رأيته يخذله أو يحاربه في موطن آخر ، فما أظنك ترضى أن تصفه بأنه من عشاق المثل العليا ، وما أظنك تتردد في الشك في حقيقة موقفه الأول )) ، (( وإن محب الفضيلة يراها دائما زينة حسه ونفسه ، فلا يغنيه أنها صفة معنوية مسلمة في قلبه ، بل لابد أن يرى صورها العملية في عالم الحس والواقع ، فهل ترى من المنطق المطرد ، أن يناهض هذا الجمال ويطارد أنصاره ، ويعمل على إخفات صوته ، وطمس معالمه ؟؟ إذا أردنا الخير لأنفسنا فلنكن شجعانا صرحاء ، نسمي الحق حقا والباطل باطلا )) *

أعتقد أنه من الزيف أن نملأ الدنيا ضجيجا بالشكر والعرفان لمن يحيي فضيلة ويتسنم شرف تمويل رسالة نبيلة ، وهو في الوقت نفسه يدحرها ويدمرها ويخربها في مواضع أخرى ، ويكون له حضوره الطاغي وسط كوكبة من حراس الفضيلة ، لولا سطوة المال ماتبوأ موضعه ..

ولا أدري لم تشح جيوب أغنياء الصحوة الإسلامية عن تبني مثل هذه الأنشطة الإعلامية مادمنا نرى أهميتها وأولويتها في العمل ؛ كيلا ينال شرف ذلك قوم أولى بهم التأثيم والتجريم لما يقومون به من مسخ وتذويب وتشويه مثل وقيم هذه الأمة ، وطمس معالمها على جميع المستويات ؟؟
هوامش :
*  تذكرة الدعاة للأستاذ البهي الخولي - رحمه الله- مكتبة الفلاح ، ط7 
-------------
طالع المقال على : منتدى الإسلام اليوم
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق