الأربعاء، 19 أبريل 2006

الحقيقة المغيبة

بقلم : ماجدة شحاته
ربما نتجاوز الحقيقة , عندما يعتقد البعض أ ن الإسلام لم يُقدم للآخر بشكل أكثر مثالية وأ ن تنظيماً ما ، أو جماعة ما قد ورطت الأ مة كلها فى صدام مع الأ نظمة الحاكمة و القوى المهيمنة من خارجها , بل تغيب الحقيقة فى ركام الزيف الذى تحياه الأمة , حين يُتصور أن اجتهاداً ما فى مقاومة الظلم الواقع على الأمة , هو الذى ورطها , واستعدى عليها الأعداء من كل مكان ..

وكأن المفروض أن تركن الأمة كلها إلى الظلمة والطغاة , وأن تغض الطرف عن مآسي المسلمين شرقاً أو غرباً أو حوالينا وبين ظهرانينا , وأن يتبرد الدم الذي فى العروق إلى أن يتجمد , وأن تخرس الألسنة فلا تنطق بكلمة حق همم المسلمين بها تتجدد ، رغم أن الفضاء صار مشاعاً ولم يعد خافياً على أحد ما يُرتكب من جرم فى حق المسلمين ، بل يُنقل فى التو واللحظة ، بدمائه الساخنة ، وجثثه التى لم تفقد حرارتها بعد .. واستغاثاته التى تقطع نياط القلوب من شيوخ وأطفال ونساء.

عربدة يهودية نصرانية فى ديار المسلمين تهدم وتقتل وتشرد وتذل مدلة بكل قوتها وجبروتها ، ومطلوب من المسلمين ألا يحركوا ساكناً ويتعامل الكثيرون من فقهاء عصر أسلحة الدمار الشامل ، وأكاذيبه القاتلة مع معطيات الواقع بكل برود ، تارة بتحميلنا نحن المسلمون وزر المصيبة لأننا لم نكن على مستوى أرفع فى تقديم الإسلام للآخر ، وتارة وعلى استحياء و فى تردد بتحميل الحكام بعض الوزر ، ولا عجب أن تكون لبعضهم -  أى الفقهاء - بعض الأعذار عن الحكام فيما يجدونه من ضغوط خارجية يعذرون بسببها فى تخاذلهم عن نصرة الحق ، من أى طريق وتارات أخرى بسبب ما نحن فيه من معاصٍ وآثام لتقصيرنا فى حق الله.

تدور كل هذه التعليلات فى جميع خطب وكتابات السادة الأجلاء فقهاء عصرنا ، ولا أحد يسقط على ما تحياه الأمة من مصائب ومكائد منهج الإسلام وتصوره عن طبيعة الأخر ، لتستبين الحقيقة أمام الشعوب المقهورة ، فيُرى الصراع بيننا وبين الآخر على حقيقته وبكل حجمه وأدلته من القرآن الكريم ، ويُفهم بالشكل الذى لا لبس فيه ولا غموض ؛ لتتكون فى التصورات والنفوس مواقف تجاهه ليس على مستوى الأنظمة ولكن على مستوى الشعوب ، ومن ثم تتعامل مع أعدائها وفق رؤية واضحة مسماة فيها الأشياء بمسمياتها الصحيحة لا التى يُراد إلباسها عليها ، وإن من الحقيقة الناصعة التى ينبغى أن تكون منطلق شيوخنا فى تفسير الظاهرة الأمريكية فى العدوان والاحتلال والاستعمار والتعصب الأعمى ضد الاسلام , ليست فى إقامة حوار إسلامي مسيحي أو حوار حضاري ثقافي وليست فى تبرئة الإسلام من دموية الإرهاب، أو تقديم أبنائنا قرابين للسيد الأمريكي ؛ مدللين على حملتنا المسعورة ضد الإرهاب حتى ولو كان الأبناء برءاء وحتى لو كانت أصابع الاتهام كلها تشير إلى أيد صهيونية تعبث بأمن الدول للوقيعة بين الأنظمة والتيارات الإسلامية مهما كان توجهها قوة أو ضعفاً كل ذلك لا يصلح أن يكون منطلقاً ولكن المنطلق هو أن هؤلاء القوم من اليهود والنصارى على معرفة كاملة بالإسلام فهم لا يجهلونه , وليسوا بحاجة إلى من يورط الأمة معهم.. ليتكالبوا عليها.

( إنهم لا يريدون الإسلام لأنهم يعرفونه ، يعرفونه فهم يخشونه على مصالحهم وسلطاتهم ، ومن ثم يكيدون له ذلك الكيد الناصب الذى لا يفتر بشتى الطرق وشتى الوسائل عن طريق مباشر وعن طرق أخرى غير مباشرة ، يحاربونه وجهاً لوجه ويحاربونه من وراء ستار ويحاربونه بأنفسهم ويستهوون من أهله من يحاربه لهم تحت أى ستار ) *

أعتقد أن الوقوف على هذه الحقيقة يؤدي إلى تشخيص الحالة الأمريكية ضد الأمة الإسلامية .. فى غير كد للذهن ، ولا استخفاء وراء الألفاظ والكلمات عندما نتعاطى هذه الحقيقة فى ثقة بما توجبه على الجميع ، ساعتها ستتضح كثير من الحقائق ، وتتلاشى قيادات لم تحمها إلا كلمات ملتوية واجتهادات تخطب الود تجنباً لغضب سلطانى برغم ما يُرى ويُشاهد من عمالة يأبى أعداء الله سترها فى ثنايا تصريحات أو نشرات أو وثائق لتنكشف لنا السوءات فنتعامى عنها , لنظل نتظالم فيما بيننا بلا وعى أو مبالاة ومن ثم لا تبلغ غضبة الشعوب سوى الحناجر , ولا تتجاوز بضع مشاجب نعلق عليها خيبة الأمة فى مواجهة العدوان المخطط والمنظم من قبل أعداء لم تستبن للشعوب بعد عداوتهم فى ظل سياسات تذويب معانى الألفاظ ودلالات الحروف لتفريغ المصطلح من محتواه المعنوي ؛ ليصب فى تكريس التعاطي مع الآخر بكل خنزرة ودياثة ولا عزاء للأمة فيما يحل بها..

هوامش :
* ( في ظلال القرآن صــ134 جـ1 طبعة الشروق  )
-----------
طالع المقال على : منتدى الإسلام اليوم
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق