الأربعاء، 12 أبريل 2006

قراءة في السقوط الماضي لبغداد

بقلم : ماجدة شحاته
لم تكن الأمة الإسلامية زمن المستنصر بالله بن الظاهر, ضعيفة الجانب ولم يكن استعدادها لملاقاة جيوش أعدائها - كما تتحدث بعض المصادر – ضعيفاً , بل كانت من القوة بحيث انهزمت أمامها جيوش التتار , وقتل منهم خلق كثير, فغادروا بغداد خزايا.

غير أنه فى زمن المستعصم بالله الذى سقطت فى زمنه بغداد فى يد المغول التتار، والذى بويع بالخلافة بعد وفاة أخيه المستنصر, تغيرت الأوضاع بفعل مطامع المنافقين, الذين كرهوا أن ترتفع راية الإسلام, ويكون لها الغلبة والتمكين فى الأرض .

وللحقيقة نذكر أن الإسلام لم تخبُ شمسه أو يفت فى عضده إلا بسبب مؤامرت الخونة لدينهم ولأمتهم, واستجلابهم أعداء الأمة بعد تهيئة كل أسباب التحرك لهم والعون , مما يجعل دائماً مهمة الكفر سهلة سلسلة .

ولنرصد معاً حركة الخائن ابن العلقمى وزير المستعصم بالله فى تلك الحقبة ..
لقد كتب ابن العلقمي إلى "هولاكو" ملك التتار يبدي له استعداده أن يسلمه بغداد إذا حضر بجيوشه إليها . .إلا أن هولاكو وقد أوجعته الضربة من المستنصر بالله من ذى قبل,لم ياخذ كلام ابن العلقمى مأخذ الجد, حتى اشترط لنفسه شروطاً, فكتب إلى ابن العلقمي يقول :
"إن عساكر بغداد كثيرة, فإن كنت صادقاً فيما قلت لنا, وداخلاً تحت طاعتنا, ففرق العسكر, فإذا عملت ذلك حضرنا"..

وصل كتاب هولاكو إلى ابن العلقمي, فبدأ فى تنفيذ خطته, وتهيئة جميع الظروف التي تأتي بهولاكو إلى بغداد ..وهكذا يفعل النفاق وتفعل الخيانة دائماً, إذ استطاع ابن العلقمي إقناع المستعصم بالله أن يسرح خمسة عشر ألف فارس من العسكر, إذ قد انتصر المسلمون, ورجع التتار إلى بلادهم, ولم يعودوا يهددون دولة الخلافة , ومن ثم فلا حاجة لتكليف أو تحميل الدولة تكاليف هذا العدد من الجند ، ولأن الخلافة العباسية تثق بوزيرها, وتأتمنه على مصالحها, وإن كان يعاب عليها تلك الثقة المطلقة فى وزير من وزرائها, فى أمر يتصل بدفاعها وأمنها, فأصدر الخليفة أمراً بتسريح العدد , فخرج ابن العلقمي ومعه الأمر, مستعرضاً الجيش, واختار تسريح أفضلهم , وأمرهم بمغادرة بغداد وكل ملحقاتها الإدارية, فتفرقوا فى البلاد .

وتمضي الخطة الخائنة إذ بعد عدة أشهر زين العلقمي مرة ثانية للمستعصم أن يسرح عشرين ألفاً أخرى, فاستجاب الخليفة وفعل العلقمى مثلما فعل فى المرة الأولى, غير أن العشرين ألفاً هذه كانت بقوة مائتى ألف فارس , فكانت عملية الانتقاء للتسريح قاصمة ظهر الجيش, إلى هنا تعتبر الخطة قد نجحت , والمكيدة قد تمت .. فكتب العلقمى إلى هولاكو بما فعل, فركب هولاكو وقدم بجيشه إلى بغداد ..

غير أن أهل بغداد لما أحسوا بمداهمة جيش التتار لهم اجتمعوا وتحالفوا وخرجوا إلى ظاهر المدينة , وقاتلوا بصبر وبسالة, حتى حلت الهزيمة بجيش التتار, وانتصر المسلمون وأسروا منهم , وعادوا مؤيدين منصورين ومعهم الأسرى ورؤوس القتلى, ونزلوا فى خيامهم مطمئنين...

هؤلاء هم التتار خزايا منهزمين, فارين بأنفسهم من جهاد تم تفريغ كل قوته, على النحو السابق .. ولأن العلقمي ماض فى مكيدته للخلافة فقد استدرك الأمر, فأرسل جماعة من أصحابه الخونة ليلاً فحبسوا مياه دجلة , ففاض الماء على عساكر بغداد وهم نائمون فى خيامهم , وصارت معسكراتهم مغمورة ومحاطة بالوحل, وغرقت خيولهم وأمتعتهم وعتادهم فيه , والناجى منهم من أدرك فرساً فركبه وخرج من معسكر الوحل,

وفى نفس الوقت أرسل فى طلب هولاكو يعلمه مكيدته, ويدعوه أن يرجع بجيوشه فقد هيأله الأمر بما يحقق له ولجيوشه الظفر, فعاد هولاكو بجيوشه وعسكر حول بغداد , ولما أصبح الصباح دخل جيش التتار بغداد, ووضعوا السيف فى أهلها بلا تمييز , وقتلوا الخليفة ركلاً بالأقدام, ودخلوا دار الخلافة .. فسلبوا كل ما فيها, وانبثوا يقتلون كل من يشاهدون من أهل بغداد حتى زاد عدد القتلى على مليون قتيل
وبمقتل الخليفة انتهت الخلافة فى بغداد سنة 655هـ وانقطعت الخلافة أربع سنوات متصلة حتى استخلف أحمد بن الظاهر أخو الخليفة القتيل .

عمل ابن العلقمى كل ذلك من أجل إقامة خلافة شيعية فاطمية يقضي بها على خلافة أهل السنة , فهل يا ترى تحقق له هذا الهدف ؟؟

لقد استدعى هولاكو الوزير العلقمي ليكافِأه على استماتته فى مد يد العون له، وتمهيد الطريق أمامه لتحقيق نصره ..غير أن هولاكو لما وقف ا بن العلقمي بين يديه, أخذ يوبخه على خيانته لسيده الذى وثق به, وأحسن إليه, واصطفاه ليكون وزيره الأول, واستأمنه على البلاد والعباد ثم قال له : ,
لو أعطيناك كل ما نملك, ما نرجو منك خيراً, وأنت مخالفٌ لملتنا ، إنك لم تحسن إلى أهل ملتك بل عرضتهم للقتل والسبي, فما نرى إلا أن نقتلك ونريح من بقي من المسلمين من شرك, ويستريح التتار أيضاً منك" ثم أمر هولاكو بقتله, فقُتِل شر قتلة ..وتطوى هذه الصفحة .

لنقف عند هذه النقطة لتصحيح المقولات المغلوطة تاريخياً عن ضعف المسلمين آنذاك لدرجة : " أن الواحد منهم كان يسلم نفسه للتترى ليحز رأسه " إخفاء جانب الخيانة والمكيدة...
إخفاء إنتصار المسلمين على التتار أول مرة زمن المستنصر وثانى مرة زمن المستعصم*. عدم سرد القصة الحقيقية التى دخل بها التتار بغداد. *
ويمكن أن نلحظ تماثل أوجه الشبه فى كل شئ بين الأمس واليوم , ووجه الخلاف الوحيد أن سقوط بغداد اليوم يتم فى جو من التضليل للشعوب, أحكمت خطته , وفى جبن غير مسبوق عن تسمية الأشياء والأحداث والأشخاص بمسمياتها الشرعية , فالإعداد هو الإعداد, والمكر هو المكر, والخيانة هى الخيانة, والتسليم هو التسليم , غير أن الخليفة المستعصم , لم يكن له من مطمع فى خلافة أو إمارة أو رئاسة يسعى للحفاظ عليها بكل ما أوتى من قوة ، وإن باع بلاده وثرواته لعدوه الذي لن يكافأه إلا بمثل ما كوفئ ابن العلقمي وإن غدا لناظره قريب , مادمنا نقرأ ولا نعتبر, أو نعرف ثم نحيد عن الحقيقة .

أليست هذه الصفحات المطوية من تاريخنا حجة على علمائنا وقادتنا الذين أسلمونا لعدونا فى غير تردد؟!

هل يختلف دور ابن العلقمي عن دور دول الجوارأو غيرها ؟ في القيام بمهمة التسهيل والتستر والتمهيد بألف حجة وحجة ، تبحث عن مسوغ لها ومبرر؛ ليذر بها الرماد في أعين من يستنكر ؟

وهل المساعدات اللوجستية التي قام بها رجال الأعمال باتفاق مع الأنظمة تختلف كثيرا عن تلك التي قدمها ابن العلقمي ؟
هل يختلف الدور الإيراني عن دور ابن العلقمي في الإسقاط الحديث لبغداد ؟

أسئلة الإجابة عنها تفضح المؤامرة ، بكل خيوطها بحيث لا تدع مجالا لنفي التهمة عن أصحاب الأدوار فيها ، وتكشف عن الجانب غير المرئي من سياسة أنظمة تجد من يضفي عليها صحة وسلامة وعافية من الاثم والكيد فيطيل أمدها ليمكث استبدادها ولا حاجة لتغيير أو إصلاح فليس في الإمكان أبدع مما نحن عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله..
---------------
طالع المقال على : منتدى الإسلام اليوم
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق