السبت، 31 ديسمبر 2005

المرأة والانتخابات .. رؤية مغايرة

بقلم : ماجدة شحاته
امرأة واحدة على المستوي الرسمي دخلت مجلس الشعب عن طريق انتخابي لم يكن بالنسبة لها نزيهاً ولا شرفاً, وارتضته بآلية حكومية شمطاء رعناء تتصابى في زمن ولى فيه أسلوب التجميل لتدخل أمنى صريح أو لكذب صراح على قوي شعب لم تعد قادرة على ابتلاع أساليب التزييف والخداع لنظام حانت ساعته, وآن لقوي الإصلاح والتغير إن هي أخلصت أن تجنى ثمار تداعيه وانهياره قبل القفز عليه , وإعطائها لقوى تدور في نفس الفلك , وتقوم بنفس دور الاحتلال بالوكالة مع تغيير فى الأقنعة , وأنواع المساحيق.

وعلى جانب كان المنافس الأقوى لنظام مستبد هي جماعة "الإخوان المسلمون" من حيث كثافة العدد , وتغطية معظم الدوائر , أي أنها كانت قريبا من قوى النظام ,بما يسلط الضوء عليها محليا وعالميا من قبل منظمات المرأة سواء الناهضة بالتمييز ضدها على وجه خاص,أو العاملة في مجال الرعاية الصحية والأسرية , فكل يحمل هم مشاركة المرأة في عملية التنمية , ويسير خلف مواثيقها العالمية سواء أكان متحملا أو متمايزا في طرحه لقضايا المرأة , ومن ثم تبدو كمية البحث عن وضعية المرأة لدى الجماعة , وما يهمنا هنا وضعيتها فى الانتخابات كترجمة عملية لمنهجية معلنة تعلى من هذه الوضعية فى تمايز له أطره وضوابطه المنبثقة عن حقائق وثوابت لا يمكن إنكارها أو القفز عليها .

أما عن القوى السياسية الأخرى المتمثلة فى أحزاب فلم تكن أحسن حالا على المستوى الرجالي أو النسائي بما جعلها في المؤخرة بحيث لا يمكن إدخالها في مقارنة إلا من حيث ما نعى عليها من موات سياسي لا حراك فيه فيما يعكس طبيعة نظام تعددي مقيد ,يتخذ من التعددية شكلا ومنظرا, ويظل كل شيء هامشيا إلى جوار حزب يمارس انفراد مستبدا بالسلطة.

وعلى المستوى الفردي كان الوضع أفضل إذ ترشحت عدة نسوة بشكل مستقل متحملة كل واحدة عبء معركة أدمت الرجال وذهبت بكثير من الجهد و الوقت والمال والأعصاب, ولا شك أن كثرة منهن رأت فى نفسها مؤهلاً لخوض التجربة, وقد صدقت أن بإمكانها وفقاً لمعطيات سياسة عالمية ومناشدات وتطمينات بأهمية التمكين للمرأة, وبالطبع لم تنجح امرأة واحدة منهن لأسباب عدة ليس هذا موضعها.

إذن على جميع المستويات باعتبار عدم اعتماد نتيجة التزوير لمرشحة الحزب. الوطني. لم تنجح امرأة أى أن النتيجة صفر, بما يعكس الكثير من سلبيات التعاطي مع وضعية المرأة سواء من حيث دعاة التمكين لها على الإطلاق , بما يقصى الرجل ويلغيه في بعض المطالبات, او القفر على فروق بيولوجية تخضع المرأة لوضعية معينة لا يمكن التخلي عنها, بل يذهب البعض إلى عدم الاعتراف بهذه الفروق وإلغاء الجنس والتعامل مع المرأة على أساس النوع فقط, أي هي رجل فى شكل امرأة – زعموا - , وأيضا سلبيات النظرة المتوازنة لقضايا المرأة, بما لا يترجم عملياً هذه النظرة.

وعودة إلى التيار الأقوى من حيث الممارسة السياسية وفق برنامج إصلاحي شامل بانت فيه تلك النظرية المنضبطة للمرأة من منظور شرعي , يعتمد الحقائق ولا يغفلها, ويضع كلاً فى موضعه الصحيح بما لا يبخس الرجل قدره, ولا يغمط المرأة حقها, فالتكريم الإسلامي للإنسان رجلاً كان أو امرأة هو لسان حال رباني يجعل كرامة بني أدم على ما سواه هي أساس التسخير لهذا الكون من أجل هذا الإنسان بلا تمييز, وحتى لا نطيل في هذا حسبنا أن الجماعة ترى المرأة وتنظر إليها من خلال هذه السياقات الربانية, برؤية واعية, وإدراك صائب نافذ لدور المرأة والرجل على السواء في مهمة الاستخلاف فى الأرض وعمارتها بما يصلح الدنيا والدين

وتتضح سلبيات النظرية المتوازية للمرأة من قبل جماعة الإخوان أنها عند التطبيق العملي في انتخابات عام 2000م لم تدفع سوى بنموذج وحيد فى إحدى دوائر الإسكندرية – مدينة كبرى- ومع تقديري لهذا النموذج, والظروف الضاغطة من قبل الحزب الوطني التي أدت إلى إسقاطه, ومع الوضع في الاعتبار إنها التجربة الأولى للإخوان بالنسبة للدفع بعنصر نسائي , إلا أن هناك بعض المأخذ التي يمكن حصرها في عدم التأهيل السياسي والإعلامي لأي عنصر يتم الدفع به لخوض هذه التجربة, كأن يكون العنصر من أصحاب التميز الفكري أو الفقهي أو الإعلامي أو الحقوقي كناشط في مجالات العمل العام, بحيث يلح تميزه إعلاميا لدى شرائح المجتمع, من خلال الوسائل الإعلامية الخاصة بالجماعة, وبحيث يبدو هذا العنصر متواجداً ومتحركاً ومتمرساً بقضايا هامة وعامة يقفر بها من خصوصية المكان إلى عمومية أشمل, وهذا ما نراه في شخصيات كثيرة تتصدى لهذه التجربة من غير التيار الإسلامي مهما كان توجهه.

وأعتقد أن الجماعة تملك رصيدا من النساء من مختلف الأعمار على مستويات فائقة ومبدعة يمكنها فيما لو تم توظيفها بشكل صحيح أن تؤدى هذا الدور دون حاجة إلى أن يتحدث باسمها أو يعلن عنها رجال أو مجموعات نساء.

وأحسب أن المأخذ الأخر وهو تكرر ثانية وهو التركيز على مدينة كبرى كالإسكندرية والقاهرة وكلتاهما على درجة واحدة من المركزية والسعة والتعدد والتنوع في توجهات الناخبين, وأتصور أن الجماعة غفلت مدن وقرى تمثل دوائر متعددة أخرى يمكن أن يكون الجهد فيها أجدى وانفع فيما لو تم تأهيل شخصيات نسائية تملك مؤهلات خاصة في محيطها بحيث تتضافر عوامل لها قابلية لدى هذه الدوائر ربما غير متوافرة في العاصمة لإنجاح العنصر النسائي بكل سهولة مع الجهد المنظم والفتح الذي تبذله الجماعة في الحركة والتجميع.

ونظرة إلى انتخابات 2005م بشيء من التفصيل نجد انه مع الزخم الإعلامي للإخوان بإعلاء دور المرأة ومن
حقها في الترشح, ورغم ما يدل عليه واقع الجماعة من فاعلية العمل النسائي, إلا أن ترشيح سيدة واحدة في العاصمة أيضا كان هو المفاجأة, والجماعة في هذا مثلها مثل الحكومة التي أهلت ما يقرب من ألف امرأة سياسيا ومن برامج وتدريبات مكثفة إلا أن نسبة ترشيح النساء كانت مخجلة ومحبطة بما يفقد الحكومة المصداقية في ادعائها الرغبة في التمكين للمرأة.

بالنسبة للجماعة فالأمر لم يختلف كثيرا , رغم أنها تخوض الانتخابات للمرة الثانية, وكان ينبغي أن يكون ترشيح المرأة متمايزاً كمًا ونوعاً بحيث يمكن الدفع ولو بسيدة واحدة تمثل النساء الإخوان من خلال كثرة مطروحة قد تشمل على إفلات واحدة بنجاح كاسح.

والواقع أن الجماعة من خلال تصريح مرشدها العام من وقائع الانتخابات كشف عن أن الجماعة بالفعل أعدت ودربت وأهلت خمساً وعشرين امرأة لخوض الانتخابات أي ما يقرب من ربع عدد المرشحين الرجال بعد حسم العدد المنسحب عشية إجرائها , وهذا بالفعل يعكس مصداقية الجماعية في رؤيتها لملفات المرأة واستحقاقاتها, بما يعكس أيضا قدرة الجماعة على تكريس تواجد المرأة وفق أسس التدريب والتأهيل والبرمجة, بحيث تكتسب خبرة عملية مؤهلة لخوض انتخابات تشريعية بثقل معرفي ومهاري جاد ومتمرس.

لكن الواقع ووفق التصريح الأنف ذكره للمرشد فان خطاً ما يجب أن نعترف به يدين ويشين أكثر مما يزين, وهو أن هذا التدريب -وفقا للتصريح- كان في غير موضعه إذ أن هذه العناصر النسائية المدربة, والتي استغرق تدريبها وقتاً وجهداً و مالاً لم تكن مؤهلة زوجيا لقبولها خوض الانتخابات, إذ تحكمت في عملية الترشح ظروف الأزواج امتناعا ورفضا للفكرة, والظروف الأسرية الخاصة بهن.

والسؤال الذي يطرح نفسه عن الكيفية التي تمت بها هذه الاختيارات للخمس وعشرين سيدة, والأسس التي اعتمدت لهذا الاختيار, وهل غفلت عن هذه الظروف الزوجية والأسرية, وهل كانت هذه الظروف شاملة للعدد كله؟

أعتقد أن هذا التصريح إدانة لعملية التأهيل والتدريب لهؤلاء النسوة, إلا أن يكون ثم اعتبارات أخرى غير معلنة لعدم ترشيح أي عدد من هؤلاء المؤهلات المدربات.

ولنا أن نسأل هل هذا العدد شمل تنوعا في الدوائر, وانتشارا بعيدا عن المركزية يحترم ويسعى لاكتشاف أو توظيف العناصر أو بعض العناصر التي تملك من الوعي والثقافة والتمرس مؤهلة نفسها بجهد ذاتي بعيداً عن أماكن صنع القرار, هل يستقصي ذلك ويفتش عنه أم لا تزال دائرته قاصرة على شخوص معينة في وسط محدد, وبيئة معينة.
أتصور أن الدفع بالمرأة لانتخابات تشريعية يحتاج إلي نوعية خاصة من النساء تملك مؤهلات نفسية وشخصية هي الأهم في عملية التقييم لأن التأهيل والتدريب والبرمجة مكتسبات ما أسهل على هذه النوعية تحصيلها بقليل من الجهد, ومن ثم علينا إعادة النظر بشكل يعكس الرؤية الإسلامية لدور سياسي يمكن أن تلعبه المرأة لتطبيق عملي, ونماذج فاعلة في واقع نلمسه ونشاهده ونرقبه لتحقيق مصداقيتنا النظرية, وقناعاتنا الفكرية عن المرأة بما يدحض إدعاء الأخر وتجنيه, وهو ما يجب الاستعداد به في غير هذه الانتخابات كالمجالس المحلية, ومجلس الشورى, ومجالس إدارة النوادي, والنقابات والجمعيات بما يؤكد استقراءنا لمستقبل يرون فيه سيادة المرأة وتمكينها اللامحدود وغير المنضبط, إخلالا وعبثا بمقومات مجتمع قام منذ الخليقة على قوامة للرجل تراعي خصوصية المرأة, وتسعى لرعايتها والقيام بحقها.

ونري المستقبل موجباً تكريساً للمفاهيم الصحيحة, ومعمقاً دوراُ للمرأة بحسب ما اقتضته فطرتها أولاً, وتميزها ثانياً بما يجعل لها دوراً في تصحيح الوضعية التي يريدونها معكوسة.
31/12/2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق