الثلاثاء، 20 ديسمبر 2005

الحصاد المر

بقلم : ماجدة شحاته
رفعتْ سماعة الهاتف على أخيها بعد غياب خمس سنوات، كان الوالد تُوفي في أوائلها.. سلَّمتْ عليه.. اطمأنتْ على جميع أحواله، حاولت من بعيدٍ أن تطرق أبواب الإرث الذي بينهما.. يتجاهل أحيانًا ويغرِّب بها أحايين أخرى بعيدًا عن هذا الموضوع، إن التركة لم تُوزَّع بعد.
شكَت إحدى شقيقاتها عدم التقسيم رغم مرور هذه المدة، طالبت ولم يُسمع إليها، الوعود كثيرة، محاولات التطمين إلى وصول الحق لأصحابه تعددت، ولكن الحق لم يصل بعد..

استجمعت شجاعتها صارخةً بحاجتها إلى حقها، طمأنها، لكنها وضَّحت له أن حاجاتها عاجلة وأنه يجب جدولة الحق ليتم التسديد وِفق زمن محدد.

لم يستطع أن يستمر في مراوغته لم يحتمل تفاصيلها في بيان الحق واستقصاء قيمته، لقد ظن أن بإمكانه أن يحدد مبلغًا ما يقذف به لكل واحدة من أخواته متى أراد، لم يتصور أن تُجبره واحدةٌ على توقيتٍ معين ومبلغ محدد.. أزبد وأرعد .. خرجت من بين ثناياه كلمات جارحة مماطلة تحمل في طياتها منًّا وإحسانًا.. إنها يجب أن تحمد الله أن يُقرَّ لها ولأخواتها بحق!!

لقد كان عليه وإخوانه ألا يعترفوا لهن بحقوق.. ليضربن رؤوسهن بأقرب حائط، جادلته حاورته أمعنت معه في دحض أباطيله، أفهمته فرق ما بين الحلال والحرام.

تارة يوافقها وأخرى يُعرض عمَّا تقول مُكشِّرًا عن أنياب معتقده الفاسد في أهمية استئثاره وإخوانه بكل شيء إلا ما استغنوا عنه.

لم تستطع أن تصل معه لحلٍّ، أنهت مكالمتها وقد احتبست في صدرها عبرةٌ سرعان ما انهمرت من عينيها، أجهشت بالبكاء الحار، نظرت إلى يمينها فإذا بصورة أبيها تأملتها كثيرًا استعادت سيرته معها، تذكرت كيف كان يميِّز بينها وبين إخوتها البنين، تذكرت إيثاره لهم ولأرحامهم، استعادت معاملته القاسية.. طريقته الجافة.. لهجته الآمرة، إنها لا تتذكر قط أنه ضمَّها في صِغَرٍ أو كِبَر إلى حضنه، إنها لم تستشعر قط دفء الأب.. لم يرجع قط إليه في مأزق أو عسر لم تبتهج مرة بين يديه.

ورغم ذلك لم تحمل عليه قط، بل كانت أسرعهم إليه برًّا، توالت على ذاكرتها الأحداث، عزَّ عليها أن ينعكس سيرته على سلوك بنيه تجاه أخواتهم، النظرة هي النظرة لم تكد تتغير قدر كلمة أو تصرف، نعم ثمًّ حبٌ يجمع العائلة ولكن يبقى في حلوقه غصَّة من حق البنت وزوجها وأولادها؛ إن البنت غريبة غريبة وستظل كذلك، وما يتفرع عنها، لذا فليس لها أن تشاركهم الميراث قليله وصغيره.. كيف تذهب الثروة للغرباء؟!.. إنها يجب أن تبقى مع الأصول، والأصول في العرف ليسوا سوى الذكور.

نظرتْ إلى أبيها.. وهكذا كنتَ تغرس يا أبتي والحصاد ما أمَرَّه.. أيكون ظلمك يا أبتي في الحياة ممتدًا إلى ما بعد الممات؟!

حزَّ في نفسها أن يكون الظلم ليس ممَّن له حق الوالد.. ضمَّت صورته، انحدرت دموعها مرددة: سامحك الله يا أبتي لقد حملت عبئًا ثقيلاً لم يجرؤ مَنْ آثرت على أن يرفعوه عنك برًا بك..
-----------
طالع المقال على موقع : إخوان أون لاين
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق