بقلم : ماجدة شحاته
تعرفت عليه في مغتربها إذ أدت
به الظروف أن يكون طرفا في فض نزاع بينها وبين مطلقها ، الذي أعضلها وساومها مستغلا
ضعفها وغربتها ،
أثمرت هذه الصلة ميلا بين الاثنين
، وأجرت بينهما عاطفة جارفة كان لابد من استحلالها بالزواج ، فالرجل يقيم وحده ، لا
دفء زوجة ، ولا ألفة أولاد ، وهي وجدت نفسها مع زوج لا يبالي بدفء أو عاطفة ، بمجرد
أن خطب ودها راغبا في الزواج ، لم تفكر طويلا فقد كادت أن تخطبه لنفسها ، لولا حياء
واستعلاء ، إنه يبذل لها من وقته وجهده وحبه ودفئه ، مما لم تجده مع زوج لم يرع لها
شعورا أو كرامة .
لقد كان لها وحدها طيلة العام
ليلها ونهارها بكل تفاصيل الحياة ، يحدب عليها ويرنو إليها بنظرات كلها حب ودفء وحنان
وتكريم .
نعم إنه يعلي من قدرها حين يذكرها
بما يكتشف فيها كل يوم من خصال خير وود ، وبما يجد لديها من عاطفة تجيش ، ممتنا لها
مايجد منها من حسن الرعاية والعناية ، وحسن التدبير، وما يسمع منها من همسات بليغات
وما يشعر معها من لمسات دافئات في كل مواقفها .
إنها لا تنسى دائما وهو في قمة
ثنائه عليها ، أن تذكره بأم أولاده ، أن يهاتفها ويسأل عنها ، فكثيرا ما تطمئن عليها
من خلاله ، أو تحاول الاتصال بها ، إذ تجمعهما من قبل صلة ، تلح عليه أن يذهب إليها
في إجازة طارئة ، يلبي من خلالها حاجات زوجه وولده ، وألا ينتظر نهاية العام إذ المدة
طويلة ومن الخير ألا يعنت زوجته بطول غيابه عنها ؛ ترتب معه أمور أولاده ، بل وتنسق
معه مايجب أن يفعله مع زوجه الأولى كي لا تصدم فيه ، يكبر ذلك فيها ، ينظر إليها نظرة
إكبار ، يقبل يديها حبا وتقديرا ، إذ لم ير منها إلا حبا وإيثارا ، ونفسا تفيض على
الجميع بالحب والخير .
حمد الله في نفسه أن زوجته الثانية
ليست بالأنانية التي يسمع عنها ، بل هي محبة له ، كلفة به ، وهو بها كذلك ، ربما كانت
عاطفة الحب التي جمعتهما سبب ذلك ، والتي تجعله يشعر أن ما بينه وبينها يختلف عما بينه
وبين زوجه الأولى ، إنه يحترمها ويقدر لها ما تجد معه وما تتحمله في سبيله ، ولا يطيق
أن ينكر معروفها فطالما ذكرها بالخير والتقدير ، ولكنه مع الثانية يشعر بشئ آخر ، يجعل
لحياته طعما آخر ، حتى إنه انسحب على طريقته في الرد على زوجته الأولى عندما يهاتفها
، إذ تصبح كلماته ذات رقة وعذوبة لم تعهد معها وعلى غير عادته تفيض كلماته إليها همسا
وحنانا .
عادت الثانية تلح عليه في السفر
للزوجة والأولاد ، استجاب لها مرغما إذ لم يكن هذا دأبه ، أخذ يستعد رافقته لشراء الهدايا
اللازمة ليدخل البشر والسرور على الجميع ، ورتبت حقيبته ، لم يعد غير يومين وتأتي تأشيرته
ليؤكد الحجز ويتركها ، يشفق هو الآخر على نفسه وعليها من الابتعاد ، يكاد يلومها على
إلحاحها كلما نظر إليها فرأى في عيونها نظرات تشبث به ، كأنها تقسم عليه ألا يتركها
، يضمها إليه يطمئنها أنه لن يغيب ، يلحظ شدة تأثرها كلما اقترب موعد السفر ، يهم بإلغائه
تصر هي عليه فقد استعدت زوجته وأولاده ، وماينبغي أن يدخل عليهما الهم والحزن بعد كثير
فرحهم بخبر عودته .
تودعه في الصباح وهي لاتكاد تطيق
فراقه ، توصيه خيرا بأهله ، تؤكد عليه أن يتصل بها كلما سنحت ظروفه ، يغيب عن ناظريها
تعود أدراجها تستحوذ عليها أفكارها، يستبد بها القلق ، نظرت الى معصمها لتجد أن عقارب
الساعه تؤكد أنه الآن وصل إلى البيت، فلتنتظر حتى يتصل ليطمئنها،
ــ ولم لا تتصل هى فتطمئن عليه
؟
قاومت رغبتها فى الاتصال به ،
الوقت يمر ثقيلا، هوت الى سماعة الهاتف ، أدارت القرص رد عليها أنه قد وصل لتوه ، تباركه
على السلامة ، تضع السماعة ؛ لتتدافع المشاعر والأحاسييس ؛ وتتلاطم الخواطر والهواجس
، وتفعل الغيرة فيها فعلتها ، إنها تكاد تتقد نارا وتضطرم أوارا ، تختلط عليها كل الأمور،
أحست بغصة فى حلقها ، وحمى تعتري كل جسمها ، تمتمت بكلمات من أذكارها اليومية :
لا حول ولا قوة الا بالله .
أستغفر الله العلي العظيم .
ــ وهل تزوجتِ إلا رجلا متزوجا؟
وكأنما تساؤلها يوقظها من غفوة ، أو يردها إلى
حقيقة.
إنها الآن فقط تفيق لتدرك هذه الحقيقة ، وتصطدم
بها،
وما ضرها فى ذلك وهو يؤثرها ويترفق بها , وتحس
بحبه فى كل تصرفاته حتى بين ثنايا حروف كلماته ؟.
.ولكنها لا تتصوره الآن مع زوجه وولده من دونها
..
ــ أوليس هذا إلحاحك عليه ؟
ــ ألم تكوني تعرفين أنه لا محالة إليها سيعود
؟
ــ ألست أنتِ قد انفردتِ به أكثر وسيعود إليك
لمدة أطول ؟!!
ولكنها لا تستطيع أن تدفع مشاعرها أو تلغي جبلتها
وطبائعها .
ــ وما ظن زوجته الأولى إذن وهو يغيب عنها مدة
عام أو أكثر؟!!
هدئى من روعك وكوني كما كنتِ
فى ظاهرك أمامه ، إنكِ لم تستجلبى حبه وتقديره،إلا بما رأى منك من كريم خصالك ، وكثير
إيثارك ، تماسكي تحاملي وحسب الأيام وكر اليالى أن توطنك على إلف ذلك واعتياده .
مضت أيامها فى انتظاره قلقة أرقة
، ترنو بنظرها وسمعها الى الهاتف، كلما اتصل بها فى عجالة أوسعته شوقا وحنينا، ولكن
أنى لذلك أن يطفئ ما اضطرم فى قلبها .
لملمت أطراف مشاعرها المطربة
، استجمعت قواها المتناثرة ، حاولت أن تمارس حياتها بشكل طبيعي بلا هموم ، ولكن غيرة
تدب فى قلبها كلما سرحت بخاطرها إليه ، تذكر نفسها بأنها زوجة ثانية فلم كل هذه العاصفة
تردد فى ثورة عارمة : ولكني امرأة ..
---------------------------
نشرت في جريدة الأسرة العربية
(القاهرة) ، عدد( 2572 ) السنة ( 14 ) ، في جمادى الآخرة 1426هـ ، يوليو
2005م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق