السبت، 30 يوليو 2005

ولكني امرأة

بقلم : ماجدة شحاته   
تعرفت عليه في مغتربها إذ أدت به الظروف أن يكون طرفا في فض نزاع بينها وبين مطلقها ، الذي أعضلها وساومها مستغلا ضعفها وغربتها ،
   
أثمرت هذه الصلة ميلا بين الاثنين ، وأجرت بينهما عاطفة جارفة كان لابد من استحلالها بالزواج ، فالرجل يقيم وحده ، لا دفء زوجة ، ولا ألفة أولاد ، وهي وجدت نفسها مع زوج لا يبالي بدفء أو عاطفة ، بمجرد أن خطب ودها راغبا في الزواج ، لم تفكر طويلا فقد كادت أن تخطبه لنفسها ، لولا حياء واستعلاء ، إنه يبذل لها من وقته وجهده وحبه ودفئه ، مما لم تجده مع زوج لم يرع لها شعورا أو كرامة .
   
لقد كان لها وحدها طيلة العام ليلها ونهارها بكل تفاصيل الحياة ، يحدب عليها ويرنو إليها بنظرات كلها حب ودفء وحنان وتكريم .
   
نعم إنه يعلي من قدرها حين يذكرها بما يكتشف فيها كل يوم من خصال خير وود ، وبما يجد لديها من عاطفة تجيش ، ممتنا لها مايجد منها من حسن الرعاية والعناية ، وحسن التدبير، وما يسمع منها من همسات بليغات وما يشعر معها من لمسات دافئات في كل مواقفها .
   
إنها لا تنسى دائما وهو في قمة ثنائه عليها ، أن تذكره بأم أولاده ، أن يهاتفها ويسأل عنها ، فكثيرا ما تطمئن عليها من خلاله ، أو تحاول الاتصال بها ، إذ تجمعهما من قبل صلة ، تلح عليه أن يذهب إليها في إجازة طارئة ، يلبي من خلالها حاجات زوجه وولده ، وألا ينتظر نهاية العام إذ المدة طويلة ومن الخير ألا يعنت زوجته بطول غيابه عنها ؛ ترتب معه أمور أولاده ، بل وتنسق معه مايجب أن يفعله مع زوجه الأولى كي لا تصدم فيه ، يكبر ذلك فيها ، ينظر إليها نظرة إكبار ، يقبل يديها حبا وتقديرا ، إذ لم ير منها إلا حبا وإيثارا ، ونفسا تفيض على الجميع بالحب والخير  .

حمد الله في نفسه أن زوجته الثانية ليست بالأنانية التي يسمع عنها ، بل هي محبة له ، كلفة به ، وهو بها كذلك ، ربما كانت عاطفة الحب التي جمعتهما سبب ذلك ، والتي تجعله يشعر أن ما بينه وبينها يختلف عما بينه وبين زوجه الأولى ، إنه يحترمها ويقدر لها ما تجد معه وما تتحمله في سبيله ، ولا يطيق أن ينكر معروفها فطالما ذكرها بالخير والتقدير ، ولكنه مع الثانية يشعر بشئ آخر ، يجعل لحياته طعما آخر ، حتى إنه انسحب على طريقته في الرد على زوجته الأولى عندما يهاتفها ، إذ تصبح كلماته ذات رقة وعذوبة لم تعهد معها وعلى غير عادته تفيض كلماته إليها همسا وحنانا .
   
عادت الثانية تلح عليه في السفر للزوجة والأولاد ، استجاب لها مرغما إذ لم يكن هذا دأبه ، أخذ يستعد رافقته لشراء الهدايا اللازمة ليدخل البشر والسرور على الجميع ، ورتبت حقيبته ، لم يعد غير يومين وتأتي تأشيرته ليؤكد الحجز ويتركها ، يشفق هو الآخر على نفسه وعليها من الابتعاد ، يكاد يلومها على إلحاحها كلما نظر إليها فرأى في عيونها نظرات تشبث به ، كأنها تقسم عليه ألا يتركها ، يضمها إليه يطمئنها أنه لن يغيب ، يلحظ شدة تأثرها كلما اقترب موعد السفر ، يهم بإلغائه تصر هي عليه فقد استعدت زوجته وأولاده ، وماينبغي أن يدخل عليهما الهم والحزن بعد كثير فرحهم بخبر عودته .
   
تودعه في الصباح وهي لاتكاد تطيق فراقه ، توصيه خيرا بأهله ، تؤكد عليه أن يتصل بها كلما سنحت ظروفه ، يغيب عن ناظريها تعود أدراجها تستحوذ عليها أفكارها، يستبد بها القلق ، نظرت الى معصمها لتجد أن عقارب الساعه تؤكد أنه الآن وصل إلى البيت، فلتنتظر حتى يتصل ليطمئنها،
ــ ولم لا تتصل هى فتطمئن عليه ؟
   
قاومت رغبتها فى الاتصال به ، الوقت يمر ثقيلا، هوت الى سماعة الهاتف ، أدارت القرص رد عليها أنه قد وصل لتوه ، تباركه على السلامة ، تضع السماعة ؛ لتتدافع المشاعر والأحاسييس ؛ وتتلاطم الخواطر والهواجس ، وتفعل الغيرة فيها فعلتها ، إنها تكاد تتقد نارا وتضطرم أوارا ، تختلط عليها كل الأمور، أحست بغصة فى حلقها ، وحمى تعتري كل جسمها ، تمتمت بكلمات من أذكارها اليومية :
    لا حول ولا قوة الا بالله .
    أستغفر الله العلي العظيم .
    ــ وهل تزوجتِ إلا رجلا متزوجا؟
    وكأنما تساؤلها يوقظها من غفوة ، أو يردها إلى حقيقة.
    إنها الآن فقط تفيق لتدرك هذه الحقيقة ، وتصطدم بها،
    وما ضرها فى ذلك وهو يؤثرها ويترفق بها , وتحس بحبه فى كل تصرفاته حتى بين ثنايا حروف كلماته ؟.
    .ولكنها لا تتصوره الآن مع زوجه وولده من دونها ..
    ــ أوليس هذا إلحاحك عليه ؟
    ــ ألم تكوني تعرفين أنه لا محالة إليها سيعود ؟
    ــ ألست أنتِ قد انفردتِ به أكثر وسيعود إليك لمدة أطول ؟!!
    ولكنها لا تستطيع أن تدفع مشاعرها أو تلغي جبلتها وطبائعها .
    ــ وما ظن زوجته الأولى إذن وهو يغيب عنها مدة عام أو أكثر؟!!
   
هدئى من روعك وكوني كما كنتِ فى ظاهرك أمامه ، إنكِ لم تستجلبى حبه وتقديره،إلا بما رأى منك من كريم خصالك ، وكثير إيثارك ، تماسكي تحاملي وحسب الأيام وكر اليالى أن توطنك على إلف ذلك واعتياده .
   
مضت أيامها فى انتظاره قلقة أرقة ، ترنو بنظرها وسمعها الى الهاتف، كلما اتصل بها فى عجالة أوسعته شوقا وحنينا، ولكن أنى لذلك أن يطفئ ما اضطرم فى قلبها .
   
لملمت أطراف مشاعرها المطربة ، استجمعت قواها المتناثرة ، حاولت أن تمارس حياتها بشكل طبيعي بلا هموم ، ولكن غيرة تدب فى قلبها كلما سرحت بخاطرها إليه ، تذكر نفسها بأنها زوجة ثانية فلم كل هذه العاصفة تردد فى ثورة عارمة : ولكني امرأة ..

---------------------------
    نشرت في جريدة الأسرة العربية (القاهرة) ، عدد( 2572 ) السنة ( 14 ) ، في جمادى الآخرة 1426هـ ، يوليو 2005م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق