الأحد، 4 يونيو 2000

قرار في آخر العمر

بقلم : ماجدة شحاته
رن الهاتف طويلا حتى وصلت إليه في تراخ وهدوء جاءها صوته ..
ــ مبارك يا أم سعيد زواج آخر العنقود .
ارتسمت على وجهها علامات استغراب ، فالصوت ليس بغريب عنها ، ومن ذا يذكرها بكنيتها ويبارك لها على هذا النحو ، حاولت تذكره ، لأيا عرفته انبسطت أساريرها شيئا ما .
ــ وعقبى لك أبا محمد أما تزال تذكرنا ؟؟
ــ ما نسيتكم يا أم سعيد قط ، إن أخبارك كلها عندي أولا بأول ، فلا يغيب عني السؤال عنكم دوما ولكنك أنت كما أنت يا أم سعيد صعبة المراس عنيدة الرأي
ــ دعك من كل هذا يا أبا محمد هل أنت بخير ؟
ـ الحمدلله ياأم سعيد أما آن لنا أن نستريح فنأوي إلى ركن شديد من المودة في آخر أيامنا يعوضنا عما لاقينا ؟؟
ــ عذرا أبا محمد فقد فعلت بنا السنون فعلها أما ترى شيب رأسنا ؟
ــ وأرى جلودنا مغضنة يا أم سعيد وتكاد تنحني ظهورنا ، ووهن العظم منا كما ترين ، ولكني لازلت أنتظرك حتى تنهي مهمتك تجاه بناتك ولايزال قلبي بين جنبي يحبك كما كان يحبك في شبابك أيام الجامعة .
ها أنت قد خلا عليك البيت مثلي ، فهلا رحمت قلبا تعرفين أين أنت منه ؟؟
ــ لقد جددت الهموم علي يا أبا محمد أرجوك دعني الآن ، وربما يكون بيننا كلام آخر في ظروف آخرى
ــ لن آيس يا أم سعيد وأملي كبير أن يجمع الله شملنا بعد كل هذه السنوات الطوال
وضعت السماعة وهي لاتدري موضعها وجلست في استرخاء ، استسلمت معه لخواطرها وأفكارها ، عادت بذاكرتها ربع قرن تستعرض مسيرة حياتها يوم رحل زوجها ، تاركا لها عشرة من البنين والبنات جميعهم في عمر الزهور ، إذ جاءتها زوجة أبي محمد تعرض عليها الزواج من زوجها ليكفلها أبو محمد ويكفل أولادها ، لاسيما أنه ميسور الحال ولم يرزق الولد ، غير أن أم سعيد أبت إلا أن تقوم على رعاية أبنائها بنفسها ، وأن تتحمل وحدها المسئولية ، ثم إنها تعرف حب أبي محمد لها منذ أن كانت زميلته بالجامعة ، فآثرت أن تتجنب وتجنب أم محمد سلبيات عاطفته تجاهها ، وكذا حرمان أم محمد من الولد ..
غير أن أبا محمد لم يقتنع برفضها ، وظل يلح عليها حتى استطاع أن يأخذ منها وعدا ، بالتفكير في الأمر عندما تنهي مسئولياتها بزواج آخر الأبناء، وحاول ثانية بعد أن قضت زوجته .
ويبدو أن أبا محمد ظن الأمر جادا ، أيعود بعد ربع قرن ليجدد طلبه ، الآن وبعد أن صرت جدة لكثير من الأولاد والبنات ؟
وحماة لرجال ونساء ؟
أيليق بي في هذه السن أن أقدم على ذلك ؟
يا للعيب !!
وأي موقف تكون فيه بناتي أمام أزواجهن أو أبنائي أمام زوجاتهن ؟
لايعقل أبدا
إن مثلي يجب أن تظل هكذا كفراشة متنقلة بين الجميع ، تنثر الحب والود وتقدم النصح والمشورة ، فتكون مسيرة الجميع ناجحة كما كانت مسيرتها .
وهل زواجك بأبي محمد يعوقك عن ذلك ؟
لقد آن لك يا أم سعيد أن تلتفتي إلى نفسك ولست بدعا في ذلك فمم تخافين ؟
إنك لاتحملين لأبي محمد إلا الود ؟
وهو رجل فاضل كريم الخلق ، سخي النفس ندي الكف ، حسبه أنه لايزال يذكرك حبا محفورا في أعماقه
ألا يكون للحياة مع مثله لون آخر ؟
وقد جفت منذ ربع قرن من عاطفة أو سكينة تجدها كلما اجتمعت عليها الهموم ، كم مرت يها الليالي تأوي إلى مخدعها فلاتجد زوجا تشكوإليه تبثه هما ، أو تسمعه ألما فيخفف عنها عناء ماتجد ، كم تمنت لو أن أبا سعيد إلى جوارها يشد أزرها أو يحمل عنها إصر تبعاتها ، كم كانت تفتقد الرجل في كثير من المواقف الحرجة في حياتها ، تلتفت إليه فلاتجده ، فتفيض دموعها ، أن الحمدلله على ماقدر لها ..
إن أبا محمد يجدد في نفسها ماكان ويحيي فيها موات عاطفة آن لها أن تستجاش ، إنه يبعث فيها أملا في حياة تخلو من العزلة والوحدة لاتشعر فيها بعبئها على أحد ، أو ثقلها على آخرين .
فمهما تنقلت هذه الفراشة لابد أن تعود إلى مكانها وحدها ولاعزاء لها من ليل طويل أو نهار مليل ينصرف فيه الجميع إلى شواغله ..
آه يا أبا محمد لقد قلبت حياتي رأسا على عقب ، وأدرت تفكيري إلى نحو لم يكن بالحسبان
هلا رحمتني من ذلك كله ، ولم تظهر مرة ثانية في حياتي وحسب الحياة أن تمضي حتى تستوفي النفوس أجلها ، هكذا كنت دائما يا أبا محمد لاتخفي عاطفتك ، أو تتستر في اهتمامك ، حتى بعد زواجي كنت كثير التردد علينا كثير الحدب على أسرتنا كأنك تذكرني أنك لازلت على ما أنت عليه ..
ولكن هل من سبيل إلى ود يقوم بعد كل هذه السنوات ، لقد صرت ملكا لأسرة تفرعت يمينا وشمالا ، ولم أعد وحدي صاحبة قرار كهذا .
ولم لاأكون صاحبته ، وماذا يضير الجميع إن تزوجت ؟
استغرقت أم سعيد في تساؤلاتها المتتابعة وأفكارها المتلاطمة ، وخواطرها المتصارعة ، حتى كاد أن ينفجر رأسها فقامت لتتوضأوتصلي ركعتين من ليلها الوئيد ، لعل الله أن يلهمها رشادا وسدادا
مرت بها الأيام والأمر يأخذ من تفكيرها الكثير ، لقد وجدت نفسها مشغولة بأبي محمد ، ووجدت الأبناء في شغل عنها ، كل في عالمه
و وجدت نفسها ترقب الهاتف لعله أن يتصل ، لقد بدأت تنسج من حولها صورة لحياة جديدة يرافقها فيها زوج محب ، تركن إليه ، وتعتمد عليه ، ويسكن إليها فيحنو عليها ..
في ليلة لاتختلف عن لياليها السوالف ، دق الهاتف رفعت السماعة ..إنه أبو محمد
ــ أعتقد يا أم سعيد أن المدة كانت كافية لقرار الموافقة
ردت على استحياء
وأعتقد يا أبا محمد أنه كان يجب التبكير بمثل هذا القرار .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق