الثلاثاء، 1 أغسطس 2000

المرأة في واقعنا غياب وتغييب

بقلم : ماجدة شحاته
يتساءل بعض الدعاة عن المرأة المسلمة ووجودها على الساحة، على اختلاف اهتماماتها (1) وقد فَطِنَ إلى غياب المسلمة الواعية عن الساحة الفكرية ، الشيخ عبد السلام البسيوني (2) ، فهو يوقن بأهمية أن يكون للمسلمة الملتزمة دورها الفكري والأدبي ، في مواجهة المتحررات من داعيات العلمانية .

في مقابلة معه أكد أهمية تبنِّي ذوات القدرات الخاصة في اللغة والأدب من الموهوبات، وإفساح المجال أمامهن للتدريب والتلقي عن ذوي الخبرة في هذا الميدان، ويكاد يجزم بأن القيام على هذه المهمة من أهم ما يجب أن يؤديه كل قائم على منبر من منابر الإعلام الإسلامي، إنكاراً للذات، وإفساحاً لمساحة أوسع لمن هنَّ بحاجة إلى انطلاقة مبدعة تأخذ بهنَّ إلى التمرس الواعي للقيام بحق ما وهبهنَّ الله من مَلَكَات.
ولأهمية ذلك شَرَعتُ أبيِّن الأسباب التي أدت إلى غياب المرأة أو تغييبها .

أسباب كثيرة للغياب
أما عن غياب المرأة فهو بحكم أصل اهتماماتها الراجع إلى طبيعة دورها في الحياة، حتى بعد أن تعلمت في عصرنا الحاضر ونالت أعلى الدرجات العلمية، فإنها دائماً مشدودة، ومنجذبة للقيام بدورها أماً وزوجاً، وربة بيت، إذ لا غنى لأي امرأة عن ممارسة هذا الدور مهما بلغ نجاحها، وعملية الشد المستمرة للقيام بهذا الدور حتى في أخف أعبائه، يشغل المرأة عن الاستمرار فيما هي فيه من الناحية العلمية .

فالمرأة إذن لا تفتقد مقومات الإبداع في العلوم والمعارف كافة، وإن كانت النسبة أقل بكثير منها في الرجال، لكن الواضح أن المرأة في ممارستها لدورها الاجتماعي داخل البيت، وفي محيط الأسرة وما لذلك من التزامات، يوقف مدّها لتحقيق نجاحات متميزة، بحيث تكون بارزة، ولها موقع السبق أو الصدارة.

وقد يتغلب بعض النساء النوادر على هذه الظروف بشيء من التنظيم والهمَّة العالية، والإرادة القوية، والإصرار على إثبات الذات، ومن ثم يثبتن كثيراً من التفوق والنبوغ، وهنَّ قلائل إن لم يكنَّ نوادر.

وربما يعود هذا الغياب إلى المجتمع نفسه، الذي لا يثق كثيراً بقدرات المرأة، فلا يطمح بها إلى تحقيق درجة أعلى من التفوق، إذا كانت قناعاته، أنها في النهاية إلى بيت وزوج وولد وأسرة، وبالتالي ينعكس ذلك بالسلب على المرأة نفسها مستسلمة لواقعها، محققة المستوى المتوسط من الأخذ بأسباب التفوق.
والواضح أن الغياب الذي نتحدث عنه، حدث نتيجة تلقائية لظروف، وطبائع أفرزته.

تنظير
أما التغييب فهو لا يحدث تلقائياً، بل تتسبب فيه عوامل كثيرة، وحتى الحركة الإسلامية على مدى قرن لم تستطع أن تفرز نساء عالمات، كما أفرزت وبإبداع غير مسبوق، رجالاً عالمين مبدعين في مجالات شتى برغم إدراك الحركة لدور المرأة، وبرغم احترامها للمرأة أياً كانت، وحيثما تكون، ولكن ظل إعلاء دور المرأة من قِبَلِ الحركات الإسلامية قريب من التنظير، دون الخروج بالمرأة إلى واقع عملي، تتلقى فيه المرأة مثلما يتلقى الرجل من تربية، وتدريب، وتعليم، وتسخير للإمكانات، واستغلال للقدرات.

وما يهمنا هنا هو وضع المرأة في مجتمعنا كداعية ومفكرة، تمتلك من مقومات الفقه، وأدواته، ما يجعلها جديرة بأن تكون معلمـة للمسلمات، وتمتلك من الوعي الفكري، والثقافة الإسلامية الواعية ما يجعلها جديرة بأن تتبوأ مكانة قوية في عالم الفكر، والأدب، وقضاياهما، مدافعة ومنافحة عن المرأة المسلمة، في ثقة، وقوة حجة، وسطوع برهان، ونصاعة دليل.

إن الإعلاميات العلمانيات يقفن في ثبات على منابرهن، ينافحن عن الباطل في شراسة واستماتة، يملكن من الأدوات والوسائل، ما يعجز عنه بعض رجالاتنا في الحقل الفكري، فأين المسلمة وهي صاحبة قضايا حق، وخير، وعدل؟، ولماذا تقف دائماً - إن سُمِحَ لها بالوقوف - مدافعة ولا تقف ناقدة لرؤى الفكر العلماني؟

لقد أبدت المسلمة منذ بدايات الصحوة كثيراً من النضج، والعقل، والفكر، ولكن لم يُلتَفَت إلى ذلك من قِبَلِ الحركة الإسلامية، إذ ظلت النظرة إليها مقصورة على حُسن قيامها بأمورها الاجتماعية، ولم تحاول أن تستقطب المرأة لتقف بها على ثغرات الإسلام التي تؤتَى المرأة من قِبَلها، ويبدو أن هذه النظرة طال أمدها، حتى وقت قريب، إلى أن تنبهت الحركة إلى أهمية استثمار طاقات المرأة، وقدراتها، ما دامت تمتلك من المواهب والمَلَكات ما تتميز بهما عن غيرها من النساء، ولكن وقفت المساحات المكتوبة دون التوسع في دفع الكثيرات ممن يملكن مقومات الإبداع الفكري.

وقصرت مساحة النشر على عدد لا يتجاوز أصابع اليد، برغم أن الواقع يزخر بنساء كثيرات كان يمكن لهن الانطلاق فيما لو أُتيحت لهن الفرصة، ولكن أبى الرجال إلا أن تُوقف عليهم كل المساحات، ولم يحاول أحدهم أن يؤدي زكاة مساحته بإفساح المجال لقلم نسائي يأخذ عنه، ويتدرب من خلاله، وينطلق من مكانه ليواصل المسيرة، حتى تلك المجلات التي خصَّصوها للمرأة، أبي الرجل المسلم إلا أن تكون له فيها مساحات، في الوقت الذي لا يجد فيه القلم النسائي سطراً في صحيفة أو مجلة.

إن واقعنا يمتلئ بفتيات ونساء كثيرات، طُبِعْنَ على مَلَكة ظاهرة في الشعر والأدب، ولو أن هؤلاء النساء مُكِّنَ لهن ما شكونا ضعف عدد النساء على المنابر الإعلامية.

من ناحية أخرى، قد نجد المرأة غُيِّبت بسبب عدم تفريغها لمهمة دعوية أو فكرية، إذ كيف تبدع مسلمة محمَّلة بأعباء كثيرة تأتي على قواها فلا تدعها لفقه أو قلم؟ وكيف تبدع مسلمة وهي تمارس عملاً خارج بيتها لا يتلاقى وموهبتها وقدراتها؟

إن كثيراً من القدرات النسائية مهدرة ومعطلة، مهدرة في مواقع عمل لا تحترم إبداعات المرأة، ومعطلة في بيوت أثقلتها بأعباء خدمية يمكن أن يقوم بها غيرها.

هوامش :
(1) تساؤلات الشيخ عبدالحميد البلالي: في العدد رقم (1389) من المجتمع .
(2) عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية وهو داعية نشط في قطر له مؤلفات منها: مكانِك تُحمدي ، ماذا يُراد بالمرأة المسلمة؟ ، المرأة المسلمة في كتابات غير الإسلاميين ،  الذئبة التائبة .
-------------
نشر بمجلة "المجتمع" الكويتية ، وكذلك بمنتدى الإسلام اليوم
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق