الأربعاء، 17 أبريل 2013

آراء بين يدي القيادة

بقلم : ماجدة شحاته
هدهد سليمان؛ جندي فاق قيادته ـ بحكم تكوينه وطبيعته ــ فيما لم تحط به علما، بل كان سبقه وإحاطته هما عذره لدى القيادة في الإفلات من العقوبة، حتى إنه هو الذي يتيه على قيادته بإثبات حقيقة أنه أحاط بما لم تحط به علما، (أحطت بما لم تحط به علما وجئتك من سبأ بنبأ يقين) النمل الآية (22) ، علم لا لبس فيه ولا احتمال، بل هو على وجه الحقيقة المحضة التي لا اجتهاد فيها.

وسلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ جندي قدم لقيادته؛  النبي صلى الله عليه وسلم, خبرة غير معهودة وخطة ليست معتادة, فكان الخندق سبيل نصر وغلبة.

فتراكم الخبرات لدى الجندي فيما لم يكن بمقدور القيادة، أو ليس في مجال عملها أو معاشها، ربما يعكس في بعض الأحيان احتياجا يميز الجندي عن غيره إذ يقدم ما لا يستطعه آخرون.

 والحباب بن المنذر من ذي قبل وفي أخطر معارك الحق والباطل، لايتوانَ عن التصحيح فيما وجده مخالفا لطبيعة الحرب مكانا وترتيبا وتنظيما، وهو يعلم أن  القيادة الموحى إليها لا يأتيها الباطل من بين يديها ولاتنطق عن الهوى، لكنه لا يدع ثقته ويقينه تمنعانه من تقديم رؤيته في التخطيط الذي لن يقدمه, إلا بعد أن يثق أن ما تراه القيادة ليس إلا اجتهادا ورأيا، وما حمله إلا تفكير في المسألة من حيث معطيات واقعية تفرض نفسها على من يملك رؤية خبيرة خارج النص.

 ولم تفسر القيادة الموحى إليها من السماء رؤية الجندي على أنها تقديم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، أو اجتراء على إجراء تتخذه القيادة، التي تنزل على رأي الجندي حين يكون منطقيا وموافقا لطبيعة المسألة محل الرأي.

إنها القيادة الواثقة القادرة على التمييز بين الرؤى دون إسقاط لعلل نفسية تتصل بتفسيرات ملونة بلون التحسس الذي يصيب منظومة العمل في فترات الركود والجمود مما يهيئ للقيادة الضعيفة أن تظن الظنون بمخالفيها وإن كانوا جنودا مخلصين.

أما أم المؤمنين السيدة أم سلمة ــ رضي الله عنها ــ فقد انفردت برأي وضع المرأة المسلمة في موضع يفوق كبار الرجال في رجاحة الرأي والعقل، في أزمة كادت أن تودي بالجماعة المسلمة حين وقفت القيادة ممثلة في نبينا صلى الله عليه وسلم أمام عصيان عام لم يواجهه صلى الله عليه وسلم بضجر أو اتهام للعصاة، فربما وجدت القيادة مبررا للعصيان.. فوقْع بعض الأحداث يكون صادما في بعض الأحيان حتى يفقد الجندي اتزانه، وحتى لا يختل الجندي ويخرج عن الدائرة, لابد أن تتقبل القيادة مثل هذه المواقف.

إن فعل القيادة هنا, بل ابتدارها الفعل, وضَعَ الجماعة أمام مسئوليتها التنفيذية ليصبح المتخلف أمام وطأة المساءلة، حين تزول الالتباسات لدى الجندي بإقدام القيادة على الفعل.

فإذا أوغلنا في الاستقصاء وجدنا في غزوة الخندق أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين اشتد الأمر، وتعذرت المعلومات عن معسكر الشرك لتقدير الموقف، فإنه صلى الله عليه وسلم، والخطر جسيم لم يكلف ثقة ممن حوله وهم كثر، بل يدع مهمة جمع المعلومات الاستخبارية عن العدو لمعايير أخرى هي القدرة والكفاءة على الإنجاز والتحقيق المتقن للمهمة، "من يأتني بخبر القوم".

 إذًا, فحين يكون الأمر خاصا بعمل له طبيعة أداء تتصل بالاقتدار على فنه، فإن التكليف يكون رهن امتلاك معايير الجودة ومواصفات القدرة على الإجادة ومهاراتها النوعية عالية المقاييس.

"من يأتني بخبر القوم" قالها صلى الله عليه وسلم معطيا درسا في جواز استشراف الجندي للمهمة حين يكون قادرا عليها، دون أن يكون ذلك واقعا تحت وطأة "الطلب" بل تحت قاعدة "اجعلني على خزائن الأرض" بما لديه من معايير ومقومات يُستوثق منها في سيرة الجندي ومسيرته، دون مصادرة أو اتهام للنوايا.

تأمل هذه النماذج ثم توقع مآلات الأحداث فيم لو لم يستبق هؤلاء أو يستدركون، كاجتهاد فردي ، وإلهام شخصي في الإبداع الذي لم يكن قط جمعيا أو جماعيا!

الابتكارات والإبداعات الإنسانية كلها كانت جهدا فرديا متميزا ومتفردا، والنظر باستخفاف لكل من يجتهد خارج السياق جريمة ترتكب في حق الأمة قبل الفرد، ومعاقبة صاحب الرؤية المغايرة بالتعطيل والتجميد تحسسا أو توجسا كأنه سيغرق السفينة حتما برأيه، هو ضعف إداري قبل أن يكون قصورا حركيا أو خللا دعويا..

إعادة قراءة التاريخ تصبح ضرورة حين يساء توظيف النص في غيبة العلم به.  
-------------
طالع المقال على موقع : علامات أون لاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق