الخميس، 18 أغسطس 2011

هل ينقلب الجيش على إرادة الشعب؟

بقلم : ماجدة شحاته
اتٌهمِت التيارات الإسلامية جميعها بالتواطؤ مع المجلس العسكري، منذ بدايات ما بعد الثورة، لما كانت تبديه من أدب الحديث عن الجيش، وحسن الظن به، وتوقع الخير منه، فعلقت اعتصامات التحرير بمجرد تنحي الطاغية، وجعلت ذلك مرتبطا بمدى الحاجة إلى ذلك،وليس على إطلاق ؛ من أجل التوجه والتفرغ لمرحلة البناء وترتيب الأولويات، ولم تسمح هذه التيارات لنفسها في أشد مواقف الجيش عنفا في التعامل مع بعض الاعتصامات ، وبعض مواقفه التي تثير الالتباس، كتقديمه المدنيين لمحاكم عسكرية على خلفية غير مجرَمة، حتى عندما كانت تحتد لهجته، لم تسمح هذه التيارات لنفسها أن تقف من الجيش موقفا يضعفه أو يصادمه ، بل ربما تعتذر عنه وتبرر إجراءاته برغم تباطؤها، ومن هنا أسئ الظن بها، من قبل بعض القوى السياسية ، وصل سوء الظن حد الاتهام بعقد صفقة مع الجيش، وابتلعت هذه التيارات ما تًتهم به من خلال لغة همز وتعريض ولمز وتحريض، متحملة مسئولية ضبط الشارع المتحير في موقف المجلس العسكري، بتثبيتها ثقة الشعب بمجلسه العسكري، وترسيخها الوعي بضرورة الالتحام بينهما في هذه المرحلة الحرجة من حياة مصر الثائرة ؛ من أجل نهوض حضاري فاعل ومؤثر في استعادة هذا الشعب كرامته وحريته وجميع حقوقه المتساوية وفق عدالة اجتماعية متكافئة.

وقد أمعنت هذه التيارات وبالغت في الاصطفاف بالشعب حول المجلس العسكري، وتوصيل رسائل إيجابية ومطمئنة للداخل والخارج ، مفادها الصريح أن مصر الثورة لن تًبنى في المستقبل إلا بسواعد الجميع، ولن يتحمل تبعات هذا البناء فصيل وحده، بل إن من طبيعة المرحلة أن تفرض وحدة الصف، وقوة الالتحام والالتفاف حول إعادة بناء مصر وفق استراتيجية سياسية واقتصادية جادة ومخلصة، تعتق مصر من تخلف فرضه نظام عميل خان مصر حين باعها بأبخس ثمن.

ولإدراك التيار الإسلامي تحديات الداخل والخارج، ووعيه بأهمية الوحدة، فقد كان سباقا ومسارعا للتطمين ورد الشبهات التي تثار حول إمكان استئثاره بالسلطة، بتحديده نسبة تسمح لكل القوى أن تكون مشاركة في مسيرة البناء بنسب تكاد تكون متساوية،لتضرب كل القوى بسهم في إعادة البناء، يفعل ذلك رغم إمكان اكتساحه للأغلبية دون منازع.

لكن ولوطنية هذا التيار، وإدراكه لأهمية الشراكة في بناء الوطن، وتعظيمه دور التوافقية بين القوى السياسية فقد آثر أن يكون شريكا مساويا للقوى الأخرى في التمثيل السياسي بحيث لا تتحقق له أغلبية ما.

ووطنية هذا التيار –وليس غيرها – هي التي دفعته للالتحام مع الجيش تقديرا لموقفه من الثورة، ممثلا في مجلسه العسكري، رغم بعض الممارسات المستفزة، وبطء سير تحقيق أهداف الثورة ومطالبها، وما يقتضيه منطق الثورة من المقاطعة مع الماضي من الجذور، مما كان يستوجب إجراءات مغايرة أكثر حرصا على استقرار مصر، وقطع الطريق أمام صناع الفتن بين طوائف الشعب، والتخلص من كل سياسات الماضي وممارساته.

لكن الواقع يشهد بأن أداء المجلس العسكري كان - وربما لا يزال -- مرهونا بردات فعل الشارع في ميدان التحرير، ولم تكن ردات فعله تلقائية،كأنه لم ينفعل بالثورة ولم يشعر بضرورتها وحتميتها ؛ لرفع الأثقال عن مصر التي ناءت بنظم فاسدة احتلت مصر بالوكالة عن القوى الصهيو أمريكية على مدى ستة عقود،استفحل أمر استبدادها وفسادها في الثلاثة الأخيرة منها وهي مدة حكم الطاغية اللامبارك .

ربما كان الأداء استجابة لردات الفعل في الميدان ، مما يرفع الحرج عنه أمام ضغوط من هنا أو من هناك ، لكن منطق الثورة لا يبالي بتلك الضغوط مهما تكن كونها لم تستطع فعل شيء أمام انفجار جماهيري سلمي منظم باركه الحق سبحانه وتعالى، فكانت الثورة ربانية جاءت على قدر الله سبحانه ، بعد طغيان دولي وداخلي آن أن تزيحه القدرة الإلهية بعدما تمثل استفراغ الوسع والجهد فى خروج ثابر فيه الشعب على القتل،وصابر على مواجهة الموت فى كل لحظة حتى نزع الله الملك من اللامبارك كما آتاه فلم يأخذه بحقه، بل طغى وبغى بما أوجب أن يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، برغم قوة شرطته وأمنه وأمن رئاسته وركونه لربيبته إسرائيل وراعيته أمريكا.

 نعم الثورة تجبُ ما قبلها، فما قامت ثورة إلا لظلم جاوز الحد وفساد لم يسلم منه أي شيء ، حتى الماء والهواء، ومن ثم استوجب الاستئصال من الجذور في عملية تطهير تتعقب بذور الفساد حتى لا تنبت تحت السطح ثانية، بهذا يكون منطق الثورة، ولو تحملها مخلصون لكانت مسارات التغيير في مصر على نحو آخر أشد فاعلية وأكثر شفافية في التمكين لمنطق الثورة ومقتضاها، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، وكل ما يجري على الساحة يوشي بأن ثم عمليات تجميل للنظام السابق تتم، بما يخرج الثورة من سياقها ومقتضاها.ورغم ذلك كله، ورغم وعي الجماهير بطبيعة منطق الثورات، واستنكارها، ما يحدث على الساحة، وتوجسها خيفة مما يثير الالتباس في بعض المواقف، برغم ذلك وقف التيار الإسلامي، موقف المطمئِن لهذه الجماهير، والكابح لجماح استنكارها، وانفعالها بحيث ضبط هذا التيار ردات الفعل، وحجَم الانفعال الشعبي الذي تشكله ممارسات تجري على الساحة تناهض الثورة، وتقصي صناعها.

لكن المجلس العسكري ومعه مجلس الوزراء، في الوقت الذي ينبغي أن تتناغم فيه إجراءاتهما مع نتائج الاستفتاء الشعبي النزيه الحر، إلا أنه بعد التغيير الوزاري الأخير، بدت التصريحات والإجراءات صادمة ومغايرة.

نعم صادمة للشعور الشعبي الواثق بمجلسه العسكري ورئيس وزرائه في إخلاصهما لمطالب الثورة التي حددتها نتائج الاستفتاء، ونعم مغايرة لمخالفتها ما يتوقع لتحقيق هذه المطالب.

فالمجلس العسكري ورئيس الوزراء ضربا عرض الحائط- بلا مبرر- بنتائج هذا الاستفتاء وقفزًا على إرادة الشعب في اختياره الحر، وذلك باعتمادهما آلية مغايرة في استجابة غير منطقية لأقلية لايمكن تفسير مطلبها بقواعد حاكمة أو فوق دستورية في سياق مطمئن أو مريح، ولاتعني استجابة مجلسي الوزراء والعسكري، لهذا المطلب المستفز للأغلبية الساحقة التي خطت بكل تفاؤل خطواتها نحو الديمقراطية والحرية،

لا تعني هذه الاستجابة الصادمة إلا بداية استبداد من نوع آخر،كانقلاب على مسارات، حددتها نتائج الاستفتاء، وكاستخفاف باختيار الشعب أولا ثم استخفاف بردات فعله ثانيا،وكأن المجلس العسكري، قد اطمأن إلى تصور حد ما من التحامه بالشعب من خلال الإسلاميين، وآن له – من وجهة نظره – أن يٌنهي مهمة هؤلاء ، وعليه أن يسير وفقا لحساباته هو بعيدا عن حسابات الشعب، في تحقيق استقراره، ونيل حريته التي من خلالها يصنع حاضره، ويشكل قواعد انطلاقه الحضاري محققا المواطنة المتوازنة الحقوق والمتكافئة الواجبات.

إن المجلس العسكري يخطئ حين يصغي لضغوط من هنا وهناك، ويظن أن مصلحة مصر وشعبها في تلبية رغبات غير مخلصة ولا مؤتمنة على مصالح الشعب،من خلال تبني المواد الفوق دستورية في مخالفة ومصادرة صريحة لإرادة الشعب؛ لأن الثورة التي صنعها الله في ظل هيمنة القوة الصهيو أمريكية لتطيح بالعملاء هي ثورة ربانية مقدرة، ومقدر لها أن تعلو وتعلو معها الأمة، لتكون شاهدة على الناس كما أرادها الله سبحانه، وثورة جاءت على هذا النحو الرباني، من هذا الركام العفن والمستبد والمتسلط والمتجبر، لن يكون آمنا من يصادمها كسنة كونية، فيعاديها أو يلتف عليها أو يبطئ سيرها، أو يضعف منطقها ؛ إرضاء لقوى هنا هناك.

إنها ستشق طريقها شاء من شاء وأبى من أبى، حتى لو اُبتليت بانحراف البعض بها عن مسارها، فإنما هي فتن يولغ فيها بالإثم كل بنصيب على قدر ما يخونها فيعوقها، أو يجرفها عن غايتها، ويسلم من إثمها من يوفق للوقوف على ثغرتها، ممكنًا لها في نبل وسيلة وشرف غاية.
"وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.. والعاقبة للتقوى.
--------------
طالع المقال على موقع : إخوان أون لاين

هناك تعليق واحد:

  1. مدونة متميزة
    ومواضيع راقية الأسلوب والفكر والهدف

    أستاذة ماجدة

    يشرفني المرور هنا
    والتعرف بكِ

    كل عام وانتِ بألف خير

    ردحذف