الخميس، 15 يناير 2009

الطلاق والحياة الجديدة



تقرير : تهاني السالم
أ. وفاء شاهين : الأغلب أن الأهل لهم دور كبير في الطلاق سلبًا أو إيجابًا.
أ. ماجدة شحاتة : الطلاق قرار للإصلاح والخروج من منعطف استحالة العشرة بين الزوجين.

* * * * * * * *

 في إحصائية حديثة صادرة عن وزارة العدل السُّعودية: إنَّ عدد حالات الطلاق الصادر من الوزارة، من خلال صكوك طلاق من مَحاكم المملكة - بلغت 24428 حالة طلاق مُثْبَتة في سجلات المحاكم، وأظهرت الإحصائيَّات الرسمية الصادرة من مُختلف محاكم المملكة خلال عام واحد فقط، وقد سجَّلت منطقة الرياض أعلى نسبة في عدد حالات الطلاق، مقارنة بمناطق المملكة الأخرى، حيث بلغت 7085 صك طلاق في مِنطقة الرياض؛ أيْ: بنسبة 29% من إجمالي صكوك الطلاق في المملكة، تَلَتْها منطقة مكة المكرمة في عدد حالات الطَّلاق؛ حيث سجلت إحصائيَّات المحاكم الشرعيَّة في منطقة مكَّة المكرمة 5749 صك طلاق، بنسبة 23.5% من إجمالي صكوك الطلاق في المملكة، وسجلت منطقة الباحة أقلَّ نسبة طلاق على مستوى المملكة، حيثُ بلغت 354 صك طلاق بنسبة 1.4%؛ ولأجل خطورة ظاهرة الطلاق وسهولته لدى البعض من الرِّجال والنِّساء؛ لأسباب قد يَعدُّها البعض جزئية وليست أساسية، "الألوكة" فتحت موضوع الطلاق وأسبابه وسُبل الوقاية منه، وهل ثَمة طلاقٌ ناجح يكسب فيه كِلاَ الزوجين؟ وغيرها من الاستفهامات في مضابط هذا التحقيق.

أسباب الطلاق
بدايةً مع أ. وفاء شاهين، المشرفة التربوية بمكتب الإشراف التربوي، والمدربة في مركز التدريب التَّربوي، التي بدورها تُوضح أسباب تَفَشِّي الطلاق فتقول:

"الأسبابُ كثيرة، ولا يُمكن تحديدها في نقاط قليلة، فلكلِّ حالة أسباب، مثل عدم الصبر، وقلَّة الاهتمام بالطرف الآخر، وإهمال المسؤوليَّات، والتدخل السلبي للأهل، وعدم إعطاء كُلِّ مشكلة حجمها، وغياب الحوار، وعدم التقدير والاحترام، والتنبه للمشاكل بعد أن تكون قد كبرت وولَّدت خلفها مشاكل فرعية أخرى.

وغيرها كثير من الأسباب الظَّاهرة؛ لكن الأهم من ذلك أنَّ هناك أسبابًا خفيَّة وغير واضحة حتَّى للزوجين، مثل بعض المواقف السلبيَّة التي أثَّرت على نفسية الشخص منذ صغره، أو التربية الخاطئة منذ الصِّغر، أو المعتقدات الخاطئة للمعاني الأساسيَّة في الزواج؛ مثل معنى الرُّجولة والقوامة، وعدم الوعي بحقوق الزوجين، فمعظم الناس يستند في معرفة الحقوق والواجبات على نظرة المجتمع، وخبراته السَّابقة، بغَضِّ النظر عن صحتها، وصلاحيتها للتطبيق، وموافقتها للشَّرع، ومن الأسباب الخفية هدف الشخص من الزَّواج، فالأهداف لم تُصبح بناءَ أسرة، بل أصبحت تحقيقَ مصالح شخصية فقط دون استعداد للعطاء؛ بل يريد الشخص أن يأخُذَ دون أن يعطي، ويُطالب بحقوقه دون تقديم أي واجبات".

سُبل الوقاية من الطلاق
ثم تُبيِّن أ. وفاء شاهين سبُل الوقاية من الطلاق بقولها :
"كل سبب له حلُّه الخاص، لكن التركيز على التَّربية السليمة منذ الصِّغر، ثم الاهتمام والتركيز على تعليم كل شاب وفتاة أسسَ الاختيار السليمة لطرفه الآخر، ثُم الاهتمام بالتجهيز الفكري والعلمي للزَّوجين قبل الزواج، فكما يتم فحص الدَّم قبل الزواج، ولا يتمُّ العقد إلا به، يجب ألاَّ يتمَّ العقد إلاَّ بعد حضور دورات مُتخصصة في الزواج، وقد سمعت وشاهدت في الأخبار أنَّ هذا النظام طُبِّق في مصر على الطائفة القِبطية – النَّصرانية - ولاقى نجاحًا باهرًا، وفي خلال 6 أشهر لوحظ انخفاض كبير في نسبة الطلاق، ثُمَّ بعد الزواج، وهو لا يقلُّ أهمية عمَّا قبله، فالمشاكل تبدأ، وهنا يَحتاج الزوجان لاختصاصي أُسري لحلِّ مشاكل عدم التوافُق الزَّوجي، وهذه من أكبر المشاكل، فللأسف لا توجد مراكز كافية، وإذا وُجِدت، فالاختصاصيُّون غير مُؤهلين بكفاءة وخبرة عالية، أو يعتمد المركز على الشخصيَّات والأسماء المعروفة بغَضِّ النظر عن كفاءتها، فليس كلُّ داعية، أو خطيبِ مسجدٍ، أو كاتبٍ قادرًا على حلِّ المشاكل الزوجيَّة".

وتؤكد على أهميَّة الحوار؛ لتكوين علاقة زوجيَّة ناجحة رغم ما ينتابُها من مشاكلَ، فتقول: "الحوار مُهم والهدف منه:
أن يفهم كلُّ طرف شريكَ حياته، ويفهم اهتماماتِه، وأحلامَه، وطموحاتِه، فيتفهَّم كل طرفٍ حاجاتِ شريكه، ويسهل عليه الدُّخول إلى عَالمه؛ وبالتالي اختصار كثير من المسافات بينهما.

ويفهم العوامل التي بَنَت شخصيَّة الطرف الآخر مُنذ صِغَره، فالحوار مُهم لمعرفة فترة الطفولة والمراهقة، فالكثير من المشاكل ستنتهي لو – مثلاً - عَرَفتِ الزَّوجة سرَّ تصرُّفات زوجها في مواقفَ مُعيَّنةٍ، عندما تكتشف أنه مُتأثر ببعض الأحداث والمواقف الصَّعبة التي مرَّت به، فسبَّبت له رَدَّ فعل عنيفًا تجاه بعض الأمور؛ وبالتالي يساعد كلُّ طرف الآخرَ على تخطِّي هذه العقبات، أو على الأقل تفهمها ومُراعاتها".

الطلاق سلاح
وتُوضح أ.وفاء شاهين الطلاق الناجح بقولها:
"يكون الطلاق ناجحًا إذا كان وَفْقَ مَنهج الله في التزام التَّقوى، وعدم الإضرار والفحش، سواء بالقول والعمل، وهذا الأمر يقعُ على عاتق الزَّوجين والأهل؛ لأنَّ الأغلب أنَّ الأهل لهم دورٌ كبير في الطلاق سلبًا أو إيجابًا، ولو تأمَّلنا في آيات الطلاق في القرآن، تكرَّر فيها كثيرًا ذكرُ تقوى الله واتباع شرعه؛ لأنَّ الطلاق غالبًا ما يُصاحبه الغضب، وإذا كان للزوجين أطفالٌ فيجبُ أن يُراعيَ الجميع نفسيات الأطفال، وعدم تجريح أحد الوالدين أمامهم، ونقل الأحقاد إلى قلوبهم البريئة، ومُحاولة العمل على استقرار نفسياتهم قَدْر الإمكان، وعدم استخدامهم كسلاح للإضرار بالطرف الآخر".


الحياة الزوجية والانفصال
أ.ماجدة شحاته
ومن ناحية أخرى تُشارك أ.ماجدة شحاتة "الكاتبة الإسلامية"، مُوضحة أصلَ الزواج والحكمة منه بقولها:
"الزواج أصلٌ في العلاقة بين الرجل والمرأة، تحكمه ضَوابطُ، وتنظِّمُه أحكام الشريعة، واستدامة العِشرة شرط أساسي، وإلا فإنَّ الزواجَ بِنيَّة التوقيت وتحديد مُدة لا يجوز، ومن ثَم وُصِفت العلاقة الزوجيَّة بالميثاق الغليظ، والأذى يترتب عليه حقوقٌ وواجباتٌ، والطلاق حالة طارئة لقطع الصلة الزوجيَّة، لا تصلُ إليها إلا بعد استنفاذ وسائلَ وطُرُقٍ شتَّى للتوفيق بين الزوجين؛ للاستدراك على كلِّ ما من شأنه الحيلولة دون استقرار واستمرار الحياة الزوجية، ولما كانت الحقوقُ مَصونَة، والواجبات مكفولة، قلَّ الطَّلاق في المجتمع المسلم، واعُتبِر - لكراهته والتنفير منه عند انتفاء مُوجبه - حالةً شاذَّة، ليس وراءها سوى أخلاق فاسدة، من أحد الزَّوجين أو كليهما، أدَّت بهما إلى الانفصال؛ لذا يتردَّد البعضُ في تزويج المطلق أو المطلقة، برغم سلبية هذه النظرة أحيانًا؛ خوفًا من تَكْرار الطلاق، ورغبةً في الاستقرار، لكن في ظِلِّ معاول هدم لمؤسسة الأسرة، ومطالبات بالتَّمكين الهادم للمرأة، ومساواتها على إطلاقٍ، دونَ مُمايزة بين مقتضى وظائفَ تتعلق بالذكورة والأنوثة - وليس الذكر كالأنثى - في ظل هذا تَمَّت دغدغة المرأة، والدندنة لها حول حقوقها المسلوبة، وطاقاتها المُعطَّلة والمهدرة في خدمة بيت وزوج، وإلقاء التَّبعة كلها على الرجل؛ ليبدو هو العقبة الكؤود دون تفعيل دور المرأة في مَسيرة التَّنمية المجتمعية، وبدأت أفكار مغايرة تسود عالم المرأة، عن سلبيتها في اتِّخاذ قراراتها، وتقرير مصيرها، باستكانتها للظُّلم الواقع عليها، وتَم استدعاء نماذجَ لممارسات سلبية في واقعنا من قِبَل الرجل تجاه المرأة، فسُلِّط عليها الضَّوء وضُخِّمت، ومن خلالها خُوطبت المرأة المهضومة والمنكسرة، تلك التي يتحكم فيها زوج وأب، إزاء هذا الإلحاح استيقظت نِسوة كثيرات على شعورٍ بالغبن، ناقمٍ ومُتمرد على كينونتهنَّ الأنثويَّة، سرِّ تعاستهن وضَعفهن، واللاتي يقفنَ دومًا في موقف التلقِّي، والمفعول به لا الفاعل المؤثِّر والموجه، وبدا لهن في كثير من الخلط والتَّغليط والتضليل: أنْ يقفنَ دون أيِّ ممارسة من الرجل من شأنها بخس قَدرهن، أو غمطهنَّ حقَّهن، وهذا كلُّه حق، لكنه يُطْلَق ليرادَ به أمر آخرُ، ووضعية أخرى، فلم تكن المرأة منطقيَّةً ولا عاقلة إزاء رجل له طبيعته، في مُحاولتها استعادةَ كرامتها وحقوقها، فلم تستطع القَفز على آلامها في تعاطٍ واعٍ ومُنضبط ومُتَّزن مع الرجل، بما يُحقق لها ما تنشده من توازن نفسي، اختلفت فيه رُؤى المرأة، واختلَّت لديها مَعاييره، هنا تَمرَّدت المرأة، ولم ترَ من حلٍّ سوى الطلاق؛ لتكونَ سببًا رئيسًا في إحداثه، أو توصيل الحياة ليكون هو الخيارَ دون أي بدائل.

إذًا؛ نحن بصَدَدِ ظاهرة تسليط الضَّوء على سلبية الرجل، ومُمارساته السيِّئة تجاه المرأة، من خلال رؤية الطلاق حلاًّ، والتعامُل معها بحِدَّة وعنف من قبل المرأة، ولو أُريد الخير، لكان التعاطي بشكل آخر، يُعاد من خلاله تثقيفُ الرجل عما يراد بالأسرة؛ كي لا يكونَ مُسهمًا في تقويضها وهدمها، ومن هذا التثقيف تقبُّلُه لَهجةَ خطابٍ مُغايرٍ من المرأة، ربَّما تكون المرأة فيه أعلى صوتًا، وأكثر استغناء، وهنا يكون مطلوبٌ منه مُحاولة إعادة الاتزان وضَبط الصورة والمفاهيم على الوجه الصَّحيح، عن مُقتضى دور كل منهما، لتخطِّي أي عقبة يُمكنها أن تصل بالزوجيَّة إلى انفصال، من خلال سلوكٍ قدوةٍ دالٍّ على احترام وتقدير".

قيم لتخطي العقبات
ثم تُضيف أ. ماجدة شحاته عدة أساسيَّات لتخطي العقبات، فتقول:
"ولكي ينجحا معًا في تخطي المشاكل والعقبات، لا بُدَّ من تَمثل قِيَمٍ ومُثُل ومكارم أخلاق الإسلام، في ضبط ردود الأفعال، وعدم التوقُّف عند كل شاردة وواردة، وأنْ تتوفر ثِقة بينهما، وحرص على التوادِّ والتَّواصل، والاستقرار والاستمرار، واستبعاد أنْ يتنافرا أو يتباعدا تَحت أيِّ ظرف، وقبل ذلك على كلٍّ من الزَّوجين الدعاء، وكل منهما يدعو للآخر أنْ يرزُقَه الله حبَّ شريكه، وألاَّ يحرمه تلك النِّعمة، التي تؤلف القُلُوب، وتربط عليها صبرًا على الصِّعاب، وتحمُّلاً للأذى، وأن يلتقيا على طاعة الله، وأن تضبط خلافاتِهما أحكامُ شرعه سبحانه، وأنْ يتوفر كثير من الحرص على التوافق والتَّفاهُم من أجل استقامة الحياة، وصلاح الذرية، برًّا ووعيًا، أمَّا عن تفشِّي الطلاق بما يخيف ويُهَدِّد استقرارَ المجتمعات المُسلمة، حتى إنه ليبدو كما لو كان الأصل، فإن استهانة الرجُل والمرأة بالحياة الزوجية، وعدم تَمثلها في شيء من التقدير، الذي يعطي انتماءً وولاءً وحرصًا على الاستمرار والاستقرار، فثَمَّ سلوكٌ مستهتر يُنهي الحياة الزوجيَّة، دون اعتبار لعواقب ذلك، ولعلها أيضًا تفاهة الاهتمامات، وتنافر الطِّباع، وغرور أيٍّ منهما واستكباره على الآخر، واحتقاره في سلوكيَّات بغيضة ومقيتة، ولعلها الحياة الخاصة حين يعجز أحدهما أو كلاهما عن تحقيق أيِّ درجة من درجات التوافُق الجنسي بينهما، فينعكس ذلك على مشاحناتٍ، ظاهرُها غير دوافعها، يبدو أيضًا أن الترويج للمطلقات باعتبارهِنَّ الشريحة الأكثر عطاء ونشاطًا على كل المستويات الثقافية والاجتماعية، يبدو أنَّه فتح الشهية لكلِّ من تعيش مع زوجها على حرف للطلاق، فقد وجدت ذريعة ومخرجًا مشجعًا، نلحظ أيضًا تغيُّرًا في القناعات بشكل سلبي تجاه استقرار الزوجيَّة، فعلى حين كانت المرأة دومًا هي مَن يضرب بها المثل في المحافظة على البيت واستقراره، والوصول بالزوجيَّة إلى بَرِّ أمانها؛ بتجنيبها المشاكل، في ظلِّ رجل، لو لم يكن لدى المرأة ذلك الحرص وتلك القُدرة على رَأْب الصَّدع، لانفكَّت العُرَى باكرًا، إلاَّ أن المرأة اليومَ صارت أكثرَ قابليةً واستعدادًا للانفكاك عن الرجل، لمجرد أنَّها لا تراه يحقق لها توازنها النفسي، ولو لم يكن بدرجة السوء التي تقتضي الانفصال، المرأة اليوم صارت تُلجئ الرجلَ للطلاق في كثير من الحالات".

ظاهرة الطلاق
وتُضيف أ. ماجدة شحاته فتقول :
"ثَمَّ استغناءٌ عن الرجل لدى المرأة، فعملها للأسف كان له مردود سلبي على كثير من قناعاتها المنعكسة سلبًا في تجاوبها مع الرَّجل، أمام ما يعترض الحياة الزوجية، حتَّى إنَّه انسحب على قناعتها بالقوامة التي له، واختزلتها في الإنفاق الذي تقوم هي به، ومِن ثَم تسلبه تلك القوامة، ولا ترى أنه له موجب الكلمة العُليا، يمكن أيضًا رصد فلسفة مغلوطة تعيد تفسير إرثنا الثَّقافي بما يُوافق رؤيتها لأسباب تَدَنِّي وضعية المرأة، في الحياة الزوجيَّة، ومن هذا الإرث أمثالنا الشعبية التي تكرِّس احتمالَ الأذى، وإيثار الصِّلة مع تحمل بعض العلاَّت؛ مما أدى إلى زعزعتها وإضعاف تأثيرها الإيجابي في إحداث الاستقرار احتكامًا إليها، يبدو أيضًا أن ثقافة "الأنا" هي التي تحكم كُلاًّ من الرجل والمرأة، وإن كنتُ أراها أكثرَ شيوعًا لدى المرأة، من مثل تغليب الذات، والتهوين من شأن حُقُوق الأولاد، والنَّظر إلى الحقوق في ترجيح واضح لحقِّها هي، مهما ترتب عليه من غبن أو ظُلم، مما غيَّب قيم الإيثار والجماعة والمجموع؛ ليكون حق الفرد هو السائدَ والحاكم، في غير مواءمة بين مجموعة الحقوق والواجبات، بالطبع الرجل ليس غائبًا عن تأثيرٍ، له أكبرُ الخطر في تهديده الحياةَ الزوجيَّة، فثمَّ فرقٌ بين طباعٍ لا بُدَّ أن تكون موافقةً لآداب الإسلام وقِيَمِه، وسلوكيَّاتٍ تخالف مروءةً ورجولةً، ولا بد ونحن نتعرض للمشكلة أن يستقرَّ في الذِّهن أنَّنا بصَدد وضعٍ غير طبيعي، وأنَّ الطلاق على تلك الشاكلة التي مثلت ظاهرة، ليس هو الطلاق المتأدب بضوابط الإسلام، وليست الحياة الزوجيَّة هي تلك التي تتمثل أهدافَ وغاياتِ الزواج، وإلا لو كان الأمر كذلك، لانْتفت هذه الظاهرة، ولظَلَّ الطلاق حالاتٍ فرديَّةً لا تمثِّل خطرًا، ولا تشكل قلقًا، لكنَّنا بصدد ظاهرة أي مَرَض لخلل حادث في أخلاق ونفسيَّات أي وضعية غير طبيعية في مُجتمع الإسلام، ومن ثمَّ التجاوب معها كوضع شاذٍّ، ومرض لا بد من استئصاله أو تحجيمه، والحيلولة دون توسيع قاعدته، لا التجاوب معه كواقع يجب تطويع المجتمع لقبوله في صورته المتفشية، ومبرراته غير المنطقية في كثير من الأحيان؛ بحُجَّة مقتضى العصر ومستجداته من المفاهيم والقناعات".

الطلاق والقرار الثنائي
ثم تُبيِّن أ. ماجدة شحاته الطلاق الناجح بقولها:
"والطلاق لا يكون ناجحًا إلا إذا توصَّل الزوجان معًا، وهما على استقامة خُلُق وسلوك، بعد محاولات مستميتة للاستمرار والاستقرار، والتطبيق الفعلي لضوابط تجنُّبه، ووسائل الحيلولة دون وقوعه، وتقبيحه، بحيث يكون قرارًا ثنائيًّا لم يقم على خُصومة وعناد، وانتقاص وتحقير، لكنَّه قرار للإصلاح والخروج من منعطف استحالة العشرة على نَحوٍ لا يقبل به أحدهما أو كلاهما، بناءً على معاييرَ شرعيةٍ ومنطقية، وليست مُجرد أهواء ونزغات شيطان، أو استجابة لتخبيب من هنا وهناك، على أن تكون الحقوق محفوظة، والكرامة مَصونة، وأن يكون الأولاد هم الهمَّ الأول الأَوْلى بالنظر والاعتبار، وتقدير العاقبة؛ لكيلا يُضارُّوا بمثل هذا القرار، وأحْسب أن اعتباره ناجحًا قصرُ هذا النجاح بحسب كل حالة وما يوافقها، ففي أخرى قد لا تكون مُقومات النجاح سوى سبب لاضطراب واختلال، فيما لو كان الطلاق خيارًا أخيرًا لها، إنَّ خطابًا يتوجه بالنظر لطلاق ناجح في ظل ظروف وملابسات على نحو ما نرصد - لإيقاعه (شيك ومودرن) بما يعززه ويروِّج له، من خلال تهوين أثره وتأثيره، بتسهيله وتيسيره، هذا الخطاب نتج عن فَهْمٍ مغلوطٍ للطبائع والطاقات في تحملها واحتمالها لمنعطفات أو مشاكلَ تبدو على سطح الحياة الزوجيَّة، وأن مقولة جداتنا: "لكل دار مدار" كانت بحقٍّ ناتجةً عن فهم صحيح لمبدأ "أنَّ ما يُصْلِحك قد يُفْسِد غيرك"، وما يحقق لك أو لها التوازن النفسي قد يربك آخر أو أخرى، إنَّ الممارساتِ الخاطئةَ والتعسفَ في استعمال الحقوق قد يجدُ في ذلك الخطاب ذريعة لفضِّ مسيرةٍ، والخروج عن أدب وخلق سيرة، إنَّ تمثُّل قيم الإسلام ومكارم أخلاقه في الواقع العملي، والسلوك الواقعي للمسلم والمسلمة - هو المحك الأصيل في قياس مدى مِصداقية القناعات والأفكار والمثل، وما لم تكن ذات مردود إيجابي يستعلي على السوء في ردود أفعاله وتجاوباته، فلن نرى شيئًا من ممارسات تنضبط بخلق أو قيمة؛ لأنَّها تظلُّ في فصام بين النظر والتطبيق".
---------------
طالع التقرير على موقع : شبكة الألوكة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق