السبت، 12 يناير 2008

المرأة بين الحقيقة والتعسف

بقلم : ماجدة شحاته
في التصنيف الفقهي تعد المرأة ضمن الضعفاء من فئات المجتمع، والتي لأجلها كان التخفيف في الأحكام، والاستثناء من القاعدة، والانتقال بها من العام إلى الخاص، وربما تكون أحكامها أشدَّ خصوصيةً واستثناءً على مستوى نوعها حين تكون في وضعية خاصة، توجِب اعتبار الضعف هو المناط في التخفيف أو إسقاط التكليف، كأن تكون حاملاً أو مرضعًا أو حائضًا أو نفساء، وكأن تكون شاهدةً إلا فيما يخص النسوة، أو تكون مسافرةً بحسب نوع السفر ومدته، كل هذا تحاول بعض الرؤى الفكرية إسقاطه من اجتهاد الفقهاء، وربما النعي عليهم أن اعتبروا كذلك.

وفي ظل دعاوى التمييز ضد المرأة يسبح البعض ضد الفطرة، فيحاول إخراج المرأة عن تلك الوضعية متى انتفى عنها موجب التخفيف أو الضعف، محاولاً إثبات قوة للمرأة تساوي الرجل حتى عند تفاضله عنها بقوامة الإنفاق والتكليف والمسئولية وقيادة سفينة الأسرة، فقد أوجدوا لها موجبًا للتمرد على هذه القوامة عندما لا ينفق الرجل، وتصبح هي رافد البيت بما لها من أموال، مسقِطين من الذاكرة نماذج من الفضليات عشْن في كنف الرجال، ينفقن بما رزقن من سعة، دون أن يكون لذلك أي مردود سلبي على شعور بمكان الرجل، وقوامته، ولم يبارزنه حجةً تسقط هذه القوامة، أو تقلل منها مقابل ما يقدمن.

لا أدري ما الذي تغيَّر؟ أهي المرأة التي ظلَّ الإعلام ينفخ فيها من تغريبه مضخِّمًا لديها إحساسًا بكرامة وذات فاق الحد، فصار غرورًا واستكبارًا، أو تحوَّل إلى استغناء بالكلية عن الرجل، وكأن القاعدة: كلما كانت المرأة في غنى عن الرجل كلما تحقَّقت لها حرية ومساواة وكرامة وكيان؟ لِمَ تغدو المعادلة هكذا؟ أم هو الرجل؟ تغير في نظرته تجاه المرأة فلم يعد يراها ذلك السكن الضعيف الذي لا يناوشه أو يهاوشه ويشاكسه، يركن إليه، فإذا الدفء والمودة، وإذا الكلمة الحانية المخففة، وإذا الهمسة الدافئة الملطفة، هل تراها صارت على النقيض ومن وجهة نظره فهي لا تستق؟!

كثرة من بيوتنا الأصيلة لا تزال تنغلق على نماذج للزوجية أمية أو متعلمة على فطرتها السليمة التي لم تلوَّث بدعاوى هنا أو هناك، هذه البيوتات لا تزال بداخلها رجولة ومروءة ودفء أسري يحتوي الجميع، وكرامة لم تخدش قط لأي من طرفيها، ولاءً، وانتماءً، وإحساسًا بنزوع إلى النصف الآخر عند مواجهة العناء، ولا فرق، فكلٌّ يأوي إلى رفيقه ينشد على صدره الأمن والسكينة، وفي كفّه السخاء والعطاء، وكأني أوقن أن اعتبار الضعف في المرأة موجب لرحمة الرجل ومودته، وتكريمه إياها والغيرة عليها.

ولست أرى في ذلك تنزيلاً أو حطًّا كما يزعمون من قدر أو كرامة، وتظل نماذج الفطرة هي مثل القدوة في صحة السلوك الإنساني، بعيدًا عن سفسطة وفلسفة فُرضت أو سِيقت لتثمر نظرةً مغايرة للرجل، والمرأة تعتبر كلاًّ منهما منافسًا وغريمًا لا شريكًا وأليفًا، وشتان بين شعورين يوجِّهان السلوك الزوجي كل تجاه الآخر.

فحين توجب الشراكة وحدة في الهدف، والهم والشعور نجد المنافسة توجب التنازع والتهافت والعدوانية والتربص، وعلى أقل التقدير تصبح المشاعر خامدةً لا تستيقظ إلا على طفرة في الرقي السلوكي العارض بينهما، والذي لا يتكرَّر إلا قليلاً.

ولست أدري أي معرَّة تصيب المرأة من اعتبارها الطرف الأضعف في حلقة الحياة؟ وإذا كان هذا الاعتبار موجبًا لبرها والعدل لها والرفق بها والحماية والعناية بكل أمرها، فلِمَ نحاول- وبقوة- دمغَه ودفعه؟! ألا ترى المرأة بالفعل، بعيدًا عن استئساد إعلامي صنعها عليه ونشأها في كنفه، هي الضعيفة على الأقل نفسيًّا، حين تغرّها كلمة دافئة أو همسة حانية، تسلِّم معها قيادَها لرجل يحنو ويترفَّق، يعطف فيشفق، ويحتويها حبًّا فيغدق، ألا تراها ولا يظهر من نبوغها العقلي أو الفكري شيءٌ فتبدو أمام عاطفة الرجل تجاهها امرأةً بكل ما تحمل الكلمة من حاجة وركون ونزوع إلى رجل، قد تكون مستعدةً لدفع تكاليف هذا الفيض من الدفء والحب والحنان؟!

إن عقل المرأة كما الرجل يتوارَى خلفَ عاطفة تستجاش، ومشاعر تدغدغ، والفارق بينهما أنها الأقوى في التصديق والأقدر على المعايشة، والمساكنة لكل المشاعر، الدافقة في كل وقت وحين، فيظل الرجل في خيالها محورًا لكل تفكيرها ومرتكزًا لانطلاقتها، فعنده تبدأ، وإليه تنتهي، وما بينهما تفاصيل تتصل به أيضًا، وهي إن أخلصت كانت أقوى دفاعًا وأشد منه التياعًا، ألا ترى أن ذلك رصد من ذي قبل حين قيل: "إنه لا يأسى على الحب إلا النساء".

تسقط إذن من ذاكرتنا مسلَّمات صاغتها الفطرة وجاء بها الوحي بحثًا عن ماهية أخرى لامرأة أخرى غير تلك التي نعنيها..

تمتزج لديها ذكورة وأنوثة، فلا تكاد تخلص لإحداها، وتمضي المسيرة وكل من الرجل والمرأة يمارس دورًا، هو خليط غير متباين القسمات في مفاصلة توجب لكل نوع حقه في كرامة ودور إنساني يتفق وطبيعة التكوين النفسي قبل الخلقي دون استعلاء رجل تحكمه ثقافته، أو تكوينه النفسي الفج، أو طبائعه المكتسبة من بيئة لم تتهذب بإسلام، ولم ترتق بها محاضن دعوية، عكفت على الاهتمام بسلوك ظاهر دون ارتقاء بمكون نفسي راق ومتحضِّر، ودون التفات إلى واقع لا يطابق مثل الإسلام ولا قيمه في التعامل مع المرأة ما أوجد خلطًا وغبشًا على مدى رقيّ وضعية المسلمة المفتقدة في واقعها العملي، فأسيء الربط بين المنهجية بسموِّها وسلوك الشخص المغاير، والمناقض له.
------------
طالع المقال على موقع : إخوان أون لاين
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق