الأحد، 11 نوفمبر 2001

أمتني حبا يا ولدي

بقلم : ماجدة شحاته
رن هاتف البيت على وتيرةٍ ، غيرِ تلك التي يصدرها عند الاتصال المحلي . اشتدت فرحة الأب مردداً في نفسه : إنه محمد ولدي الذي يدرس في الخارج .

رفع الأب السماعة متلهفاً ، علت الابتسامة وجهه للحظات ثم ما لبث أن ودع ابنه بدعوات فاترات ، وبنفس غير تلك التي كانت في أول الاتصال .

وضع السماعة في تراخ ، وجلس كئيباً حزيناً .

استعاد الأب ذاكرته ورجع إلى الوراء خسمة وعشرين عاماً ، نظر إلى صورته المعلقة على الحائط وهو بين والديه - يوم عرسه - وابتسامة الأبوين تعلو وجهيهما .

تذكر يوم وقف ووالده يستقبلان المدعوين ، ووالده فرحُ سعيد به ، تذكر ما كان يقوله أولئك له :
" مبارك ياعريس ، العقبى للبكاري "

تمتم في أسى : البكاري ؟ ! ماذا حدث في هذا الزمن ؟ ماذا جنيت حتى يحرمني ولدي لحظة الفرح به رجلاً يكمل نصف دينه ، أهذا أخر تعليمي وتأديبي له ؟
لا .. لا ؛ فلم أكن ملتزماً في حياتي مثله .. لعل السبب التزامه الذي أعنته عليه ، ولم أحل بينه وبين مخالطة أمثاله من شباب الإسلام ، ولم أكن - مثل كثير من الآباء - عقبة في طريقه .. أطلقت له حريته واطمأننت كثيراً إلى طريقته ، فالإسلام لا يأتي إلا بخير ، علمته كيف يعتمد على نفسه .. صاحبته بالمعروف ، وعاملته رجلاً حتى تخرج في كليته .

لقد كان فرحاً بفرحي يوم تخرج ، ولكني قلت له مازحاً :
ستكون الفرحة الكبيرة يا أبا حميد يوم زواجك ، ولن تهنأ أمك حتى تراك مع عروسك ، لن نتدخل كثيراً في اختيارك لها ولكني أبو العريس .. ستكون فرحتي وأمك غامرة يا محمد ، فهيا من الآن نعد لهذه الزيجة فقد آن أوانها .

لكن محمداً أصر على مفارقتي وأمه ليزداد قدرة على مواجهة تكاليف الحياة ، ويعيننا على استكمال المسيرة مع إخوته وأخواته ، فقد اشتعل الرأس شيباً .

ولكن ماذا أسمع اليوم منه ؟
يا شقاء أم محمد .. ويا حزنها لو علمت .. إنها كل يوم تمازح الأمهات والفتيات بتزويج محمد عند عودته في الإجازة الصيفية ، وإذا حضرت عرساً اشتاقت لعرس بكرها ، وألحت عليَّ أن أقسم عليه أن يعود وكفاه غربة ، وكفى أبواه التياعاً ، لقد أدركت نعمة الله على ابن المغيرة الوليد حين منَّ عليه سبحانه " وجعلت له مالاً ممدوداً . وبنين شهوداً " ولكن ما حيلتي ؟ ولله الحمد والمنة .

غير أن أم محمد لن تصدق .. إنني أخشى عليها وقع الخبر .. ماذا لو أن محمداً جاء وأهل عروسه ليقيموا الفرح بيننا ؟ إنني لا أريد منه شيئاً .. فليتحمل من أجلنا تكاليف ذلك ، أو يرجئه إلى الصيف حين تعود كل الأسر إلى أوطانها ، لماذا العجلة ؟ !

إن أخوته كلما أرسل لهم ثوباً جميلاً ادخروه ليوم عرسه ، ماذا أقول لهم ؟ !
وأي حرج أوقعتني فيه يا محمد مع أمك وإخوتك ومع الناس جميعاً ؟
لقد التزمت .. وربما جعلك التزامك تأخذ الأمور من غير تعقيد تيسيراً وتسهيلاً ، ولكن أمر زواجك لا يخصك وحدك .

ثم لماذا تريد أن تلغي أعرافنا ما دامت لا تنطوي على مخالفة لشرعنا ؟
لماذا تريد أن تنتزع قلوبنا من الصدور بحرماننا من أن نسعد بيوم عرسك .. أن ننهل من الفرحة بهذا اليوم .

كيف أتلقي التهنئة بك ؟ ومتى يبارك الناس لأمك ؟ كيف وافقك حموك على ذلك ؟ ما الضرورة ؟ !
وأي عبء يثقل كاهلك يا محمد حتى تأتينا لتقيمه بيننا .. وقد تحملت عنك كثير الأعباء ، كيف استباح حموك لنفسه أن يستأثر بك دوني ، وأنا وأمك على قيد الحياة لم نمت بعد ؟

أي التزام هذا يا محمد ، لماذا استأثرت بهذا الأمر ؟ أهكذا عودناك ؟

آه يا أم محمد .. كيف ألقى عليك بالخبر ؟ أأقول لك إن محمداً لم يرحم شيبتك ولم يرع أمومتك ؟
آه يا أم محمد .. لا أستطيع ، وقد كنت - يوم جئتك خاطباً -حريصاً على أن يقرني والداي عليك .. ولم أتقدم خطوة إلا بمشورتهما .. ماذا تسمين هذا ياأم محمد غير ( العرفان والبر ) بوالدين آن لهما أن أشعرهما بما لهما من كثير الفضل والحق والمنزلة ؟
ماذا حدث ؟ لا أدري ياأم محمد .. هل هي العولمة التي يتحدثون عنها ؟
وما شأن العولمة بخلق كبر الوالدين ؟ أم هي المرونة التي تلغي مشاعر أبوين ، وتميتهما وهما حيان !

أتريدني يا محمد أن أكون وأمك على مستوى إيقاع العصر وتطوراته فلا أقف طويلاً عند أمر زواجك وانفرادك به ، وحرماننا من الفرح بك ؟
أي تطور هذا واي تيسير ؟

إنه لا شك عقوق وجحود .. فأنا أب وأم محمد أم ، فلا يكلفنا أحدُ - باسم مدنية أو تحضر أو رقي - أن نلغي ابوتنا وأمومتنا ، وأن نلغي حقنا في الفرح بعرس بكرنا الذي انتظرناه كثيراً ، وترقبناه منذ أن كان صغيراً ، وعملنا له ألف حساب يوم أن كان دخلنا يسيراً ،

أفبعد هذا .. تميتون الفرحة في قلوبنا بأسماء سميتموها أنتم وعولمتكم وفهومكم التي .. ؟ ‍‍‍

وبينما أبو محمد في خواطره المنفعلة ، تجري أم محمد مسرعة من حيث كانت :
لماذا لم تنادني لأكلم محمداً ؟ ‍‍
ألا تعلم أنه منذ مدة لم يتصل ، وقد اشتقت إليه ؟
بشّر أبا محمد : هل وافقك على النزول هذا الصيف لنزوجه ؟

لم يرد أبو محمد ولكنه تمتم قائلاً : بل علينا أن نبارك له ؛ فقد أعرس منذ أسبوع .. فافرحي يا أم محمد .. وأقيمي الزينة لبكرك العريس الغائب .
---------------
طالع المقال على موقع : طريق الإسلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق