الاثنين، 13 أغسطس 2001

وكان القرار الأخير

بقلم : ماجدة شحاته
لم تكن تلتفت كثيراً إلى تحفظات النساء على ركوبهن سيارة أجرة ، لتوصيلهن إلى ما يردن ، كانت تستخف بتلك الروايات المأساوية التي يتناقلنها عما يحدث لراكبات هذه السيارات .
كانت تصر على أنها حكايات أسطورية من زمن كانت الشوارع فيه خالية من النساء والحركة الدائبة ، إنها يمكنها الآن أن تقلها سيارة أجرة إلى أي مكان تريد ، فهي تحفظ المنطقة جيداً ، ولا يمكن للسائق أن يخدعها ، وينحرف بها إلى طريق مخالف لما تعرف ، تنظر إلى صويحباتها ممن على شاكلتها ، في التحرك دون التعويل على زوج كثير المشاغل ، فتطمئن إلى ما تفعل ، لكنها لا يمكن أن تنسى وهي في سيارة الأجرة أثر الأحاديث الأسطورية في نفسها ، تنظر إلى مقبض باب السيارة الذي يفتحه ، فتتنفس الصعداء : إنه ليس من النوع (الأوتوماتيكي) الذي يستطيع السائق أن يسيطر عليه وحده ، تطمئن إلى إمكان فتحها للباب مستغيثة إذا حدث شيء لا قدر الله ، تزداد مخاوفها حين لا يكون معها أحد أطفالها ،

لماذا هذا الرعب يتملكها ؟! الأحاديث الأسطورية تزداد كل يوم ، ولكن حاجتها لسيارة الأجرة لم تنته ، لقد استجد في حياتها ظرف يحتم عليها أن تقلها سيارة بشكل متكرر وربما دائم ، فلتضرب عرض الحائط بتلك الأحاديث ، الوضع اختلف ، والظروف تغيرت ، والطرق معروفة ، الدوريات الأمنية تنتشر في كل مكان ، فلم الخوف إذن ؟!

عادت لركوب سيارات الأجرة من جديد ، ومع تكرر ذلك خفت حدة التخوف ، فلا يمكن أن تقف حياتها ، فللأسرة ضروراتها واحتياجاتها ، والمجتمع بأسره مسلم مائة بالمائة ، والمكان طيب مبارك ، فكيف لا يلقى بظلال الأمن والأمان على ساكنيه ؟ وكيف لا يتورع العصاة عن معاصيهم عند تذكـر حرمـة المكان ؟

هاهي تقف سيارة من أمام الحرم إلى البيت ، إنها تعرف جميع الطرق المؤدية إليه ، وكلها طرق مطروقة آمنة ، في منتصف الطريق التي تعرفها عرج السائق على نفق ، إنها تعرفه جيـداً ، وما أكثر ما طرقته ، وافقت السائق على اختصـار الطريق منه، بمجرد أن عرج إليه ، كأنما أختلف الزمان والمكان ، بل هما بالفعل كذلك ، فالنفق مهجور في غير شهر رمضان ، لا تكاد تقابلها سيارة دوريه أمنيـة ، الطريق بعد النفق ساكن ممتد بين جبلين لا تكاد تعرفهما من شدة ظلمتهما 00لا أحد يسير على الإطلاق ، لا سيارة تمر ، كل شيء ساكن هامـد ، إلا قلبها المضطرب الواجف من شدة ما اعتراها من خوف ورهبة ، تنظر إلى السائق ذي العقود الستة ينظر في المرآة يعبث بشاربه الأبيض ، تحدث نفسها إنه مسن لا يقدر على شيء ، إنني على استعداد أن أغالبه ، سأصرخ بأعلى صوتي ، ولكن من ذا سيسمع صرختي في هذا الوادي السحيق ؟!..

آه لقد أخطأت في تقدير الأمور ، كيف لـم تـردعني الأحاديث الأسطورية ، كيف تصورت الأمـان إلى هذه الدرجة ؟!

آه ما أسوأ المصير الذي خططتـه لنفسي بجرأتي وعدم اكتراثي بحكايات الآخرين!

أواه يا ليل كم أنت مظلم ، أواه يا طريق كم أنت طويلة ، تضع يدها على قلبها ، إنه يكاد ينخلع من بين ضلوعها خوفاً ورعباً ، تتلفت ذات اليمين وذات الشمال ولا أحد .

آه كل الظروف مهيأة لهذا الشيخ أن تراوده نفسه أو يراوده شيطانه ، بدأت تستعيد نفسها : إنه لا ملجأ ولا مهرب إلا إلى الله ، غالبت الخوف ، نازعت الظلام المطبق من حولها ، والصمت الرهيب ، استعادت أنفاسها ، لملمت أطرافها ، توجهت إلى الله بكل ذراتها ،أستغفر الله العلي العظيم وأتوب إليه ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، مدت يدها إلى مسبحتها أمسكت بها ظلت تذكر الله مستغيثة ، أدركت أنه لا نجاة إلا بالله ، أيقنت أنه ليس في كل الأحوال قد تغامر المرأة ، فالمرأة هي المرأة مهما أوتيت من قوة ، هي تلك الضعيفة ، التي لا تقوى إلا برجل أخاً كان أم زوجاً أم ابناً ، عماً كان أو خالاً المهم رجل من ذوي محارمها تأنس إليه ، وتطمئن بجواره

رويداً رويداً بدأ الظلام ينقشع ، والأنوار تتبدى ، لقد دلفت السيارة إلى الطريق العام الموصل إلى البيت وهاهي تستشعر الأمان ، تستبطئ البيت ، تستعجل مؤشر سرعة السيارة ، توقفت السيارة بعد وصولها إلى مرفئها ، تفتح الباب تطلق ساقيها للريح تجلس هامدة على أول مقعد ، تسترخي بجسمها الذي أرهقه الخوف والاضطراب ..  تسألها بناتها : ماذا بك يا أماه ؟! تجيب في دعة وتسليم .. لقد كان الدرس بليغاً بل مريراً فما أحوجني إلى الراحة !! بل إلى سيارة خاصة يقودها ولدي !!
---------------
طالع المقال على موقع : طريق الإسلام
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق