بقلم : ماجدة شحاته
لم تكن تلتفت كثيراً إلى تحفظات
النساء على ركوبهن سيارة أجرة ، لتوصيلهن إلى ما يردن ، كانت تستخف بتلك الروايات المأساوية
التي يتناقلنها عما يحدث لراكبات هذه السيارات .
كانت تصر على أنها حكايات أسطورية
من زمن كانت الشوارع فيه خالية من النساء والحركة الدائبة ، إنها يمكنها الآن أن تقلها
سيارة أجرة إلى أي مكان تريد ، فهي تحفظ المنطقة جيداً ، ولا يمكن للسائق أن يخدعها
، وينحرف بها إلى طريق مخالف لما تعرف ، تنظر إلى صويحباتها ممن على شاكلتها ، في التحرك
دون التعويل على زوج كثير المشاغل ، فتطمئن إلى ما تفعل ، لكنها لا يمكن أن تنسى وهي
في سيارة الأجرة أثر الأحاديث الأسطورية في نفسها ، تنظر إلى مقبض باب السيارة الذي
يفتحه ، فتتنفس الصعداء : إنه ليس من النوع (الأوتوماتيكي) الذي يستطيع السائق أن يسيطر
عليه وحده ، تطمئن إلى إمكان فتحها للباب مستغيثة إذا حدث شيء لا قدر الله ، تزداد
مخاوفها حين لا يكون معها أحد أطفالها ،
لماذا هذا الرعب يتملكها ؟! الأحاديث
الأسطورية تزداد كل يوم ، ولكن حاجتها لسيارة الأجرة لم تنته ، لقد استجد في حياتها
ظرف يحتم عليها أن تقلها سيارة بشكل متكرر وربما دائم ، فلتضرب عرض الحائط بتلك الأحاديث
، الوضع اختلف ، والظروف تغيرت ، والطرق معروفة ، الدوريات الأمنية تنتشر في كل مكان
، فلم الخوف إذن ؟!
عادت لركوب سيارات الأجرة من
جديد ، ومع تكرر ذلك خفت حدة التخوف ، فلا يمكن أن تقف حياتها ، فللأسرة ضروراتها واحتياجاتها
، والمجتمع بأسره مسلم مائة بالمائة ، والمكان طيب مبارك ، فكيف لا يلقى بظلال الأمن
والأمان على ساكنيه ؟ وكيف لا يتورع العصاة عن معاصيهم عند تذكـر حرمـة المكان ؟
هاهي تقف سيارة من أمام الحرم
إلى البيت ، إنها تعرف جميع الطرق المؤدية إليه ، وكلها طرق مطروقة آمنة ، في منتصف
الطريق التي تعرفها عرج السائق على نفق ، إنها تعرفه جيـداً ، وما أكثر ما طرقته ،
وافقت السائق على اختصـار الطريق منه، بمجرد أن عرج إليه ، كأنما أختلف الزمان والمكان
، بل هما بالفعل كذلك ، فالنفق مهجور في غير شهر رمضان ، لا تكاد تقابلها سيارة دوريه
أمنيـة ، الطريق بعد النفق ساكن ممتد بين جبلين لا تكاد تعرفهما من شدة ظلمتهما 00لا
أحد يسير على الإطلاق ، لا سيارة تمر ، كل شيء ساكن هامـد ، إلا قلبها المضطرب الواجف
من شدة ما اعتراها من خوف ورهبة ، تنظر إلى السائق ذي العقود الستة ينظر في المرآة
يعبث بشاربه الأبيض ، تحدث نفسها إنه مسن لا يقدر على شيء ، إنني على استعداد أن أغالبه
، سأصرخ بأعلى صوتي ، ولكن من ذا سيسمع صرختي في هذا الوادي السحيق ؟!..
آه لقد أخطأت في تقدير الأمور
، كيف لـم تـردعني الأحاديث الأسطورية ، كيف تصورت الأمـان إلى هذه الدرجة ؟!
آه ما أسوأ المصير الذي خططتـه
لنفسي بجرأتي وعدم اكتراثي بحكايات الآخرين!
أواه يا ليل كم أنت مظلم ، أواه
يا طريق كم أنت طويلة ، تضع يدها على قلبها ، إنه يكاد ينخلع من بين ضلوعها خوفاً ورعباً
، تتلفت ذات اليمين وذات الشمال ولا أحد .
آه كل الظروف مهيأة لهذا الشيخ
أن تراوده نفسه أو يراوده شيطانه ، بدأت تستعيد نفسها : إنه لا ملجأ ولا مهرب إلا إلى
الله ، غالبت الخوف ، نازعت الظلام المطبق من حولها ، والصمت الرهيب ، استعادت أنفاسها
، لملمت أطرافها ، توجهت إلى الله بكل ذراتها ،أستغفر الله العلي العظيم وأتوب إليه
، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
، مدت يدها إلى مسبحتها أمسكت بها ظلت تذكر الله مستغيثة ، أدركت أنه لا نجاة إلا بالله
، أيقنت أنه ليس في كل الأحوال قد تغامر المرأة ، فالمرأة هي المرأة مهما أوتيت من
قوة ، هي تلك الضعيفة ، التي لا تقوى إلا برجل أخاً كان أم زوجاً أم ابناً ، عماً كان
أو خالاً المهم رجل من ذوي محارمها تأنس إليه ، وتطمئن بجواره
رويداً رويداً بدأ الظلام ينقشع
، والأنوار تتبدى ، لقد دلفت السيارة إلى الطريق العام الموصل إلى البيت وهاهي تستشعر
الأمان ، تستبطئ البيت ، تستعجل مؤشر سرعة السيارة ، توقفت السيارة بعد وصولها إلى
مرفئها ، تفتح الباب تطلق ساقيها للريح تجلس هامدة على أول مقعد ، تسترخي بجسمها الذي
أرهقه الخوف والاضطراب .. تسألها بناتها :
ماذا بك يا أماه ؟! تجيب في دعة وتسليم .. لقد كان الدرس بليغاً بل مريراً فما أحوجني
إلى الراحة !! بل إلى سيارة خاصة يقودها ولدي !!
---------------
طالع المقال على موقع : طريق الإسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق