الثلاثاء، 18 يونيو 2013

قيم وسنن في الحياة

بقلم: ماجدة شحاته
لله في كونه الذي خلق سنن لا تتبدل أو تتغير، وقوانين تحكم الأشياء وفق حقائق وطبائع أودعها الله فيما خلق, ويخطئ من يصادم تلك السنن، أو يخالف تلك القوانين، بالاحتيال عليها تارة، أو تجاوزها والقفز عليها تارة أخرى، لأن مسيرة الإنسان في عمارة الأرض خاضعة لأقدار غالبة، ومآلات معتبرة هي عبر التاريخ ودروسه في سيرة من قبلنا، نعرفها بالتامل والتدبر؛ حتى لتصبح معالم على الطريق؛ تحدد البدايات لنهايات مشرقة أو محرقة، بحسب التناغم معها أو الاصطدام بها .
"قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" (آل عمران:137).

ومعركة الحق والباطل هي قصة الحياة على الأرض، بين من يملك الرأي والبصيرة فيتدبر، ومن يعمى عن ذلك فيتخبط ثم يتقهقر، فالحق ماضٍ إلى نصر, والباطل مهما علا هاوٍ إلى قبر.

 تأمل حقيقة الباطل؛ ينفق أهلُه بلا حدود للصد عن الحق، والتشغيب عليه، بإثارة الشبه، وتشويشه بنشر الأباطيل، كل ذلك للحيلولة دون أن يلامس هذا الحق نفوسا أو يباشر قلوبا، ويبذل من الجهد الكثير ظانا أنه قادر على تحقيق مايريد في إيقاع الهزيمة بالحق وإذلال أهله.

لكن تأبى الحقيقة الربانية والسنة الكونية الغالبة والفاعلة في الكون إلا أن يستمر فعلها بلا تخلف أو انقطاع، إلا أن تكون الغلبة للحق "والعاقبة للتقوى" (طه 132)
 "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون" (الأنفال 36)

تأمل حرفي "الفاء" في سرعة التعقيب و"السين" في صيرورة الفعل كقاعدة مطردة وسنة ماضية في كل حين، واستمرارها بلا توقف وإن تأخرت بعض الوقت بلا شذوذ عنها مطلقا، بل حسم وحزم في التنزيل متى استفرغ الحق وسعه وجهده ستكون النتيجة على غير ما تم التخطيط له، وسيرى الباطل عاقبة جهده، فشلا وخيبة، ومضيا للحق في طريقه بثبات ويقين، يثير حسرة الباطل وهو يرى أمام عينه هباء ما أنفق.

"ثم تكون عليهم حسرة"
فالأموال لم تنفق من غير طائل تحققه، بل تأتي "ثم" لتعقب على التراخي بين النتيجة في "فسينفقونها " وما يعقبها من مآل "ثم تكون عليهم حسرة " لينكشف أن الباطل خسرانه في الدنيا بنفاد الأموال، وفي الآخرة يكون الخسران المبين.

ويتواصل التعقيب على التراخي ليعلن نتيجة المعركة ونهايتها "ثم يغلبون" فلا غلبة لباطل مهما انتفخت أوداجه فرحا بما قد يحققه من بعض العلو الظاهر الطارئ، ومهما تخندقت جنوده أو تلونت أقنعته وتنوعت أسلحته.

وتبقى "ثم" معجزة في مكانها إذ قد تطول المعركة، وقد يحقق الباطل بعض جولات من نصرٍ مؤقت، وعلوٍ سريع ، فلا يكون ذلك باعثا على تردد أو اهتزاز ثقة، أو يأس من تأخر النصر, بل على أهل الحق الاعتصام بالصبر وترقب النصر, فـ "ثم "هنا تأتي لتطمئن وترسخ جاهزية نفسية لتحمل طول المعركة، وتبعات تباطؤ النصر وتأخره, من تفقد النفس وتحقيق التجرد وتحري الإخلاص, إذ إن التربية وإنضاج النفوس وصقل القلوب وتنقيتها مهمةٌ جوهرُ نجاحها الوقت.

هذه سنن وقواعد ومن لايعقلها فإنما يعير عقله لغيره، أو يغيبه فلا يستطيع التمييز بين خبيث وطيب، أو هو يسلم قلبه لآفات تستحكم فإذا هو في غي سادر لا يكاد يفيق، فيعادي الحق ولايلتمسه من أي طريق.

إن الفجور في الخصومة للحق وأهله، لا يأتي إلا كخصلة من خصال المنافق. إذًا فالمسألة في كثير من حقيقتها راجعة إلى القلوب: صحةً أو اعتلالا ، صلاحا أو فساداً، ومن ثم فلا ضير أن تُتَهم النفوس إذا وُجد أن الخصم لا يحتكم إلى منطق أو عقل، فلا شرف في خصومة ولا نبل في موقف، ولو شفّت القلوب لأنصفت ولو تجردت العقول لتنزهت عن التحامل والتلبيس. ولعدلت في النظر والحكم على المواقف والأحداث ولم تبخس للناس أشياءهم جهدا وقدرا وحقا.

 إن سلامة الفطرة توجب نزاهة وعدلا وشفافية وتجردا وموضوعية، وكلها قيم إنسانية قد يتخلق بها فيمارسها من يخالفك في الدين، ولو كان وثنيا لا يعرف للكون إلهًا، غير أنه رُزق البصيرة في وجوب احترام منطق العقل وطبائع الأشياء وقواعد العدل في المسيرة البشرية في الحياة .
------------
طالع المقال على موقع : علامات أون لاين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق