السبت، 16 فبراير 2008

أمنيات حائرة !


بقلم : ماجدة شحاته
أدارت قرص الهاتف بإصبع يرتعش وقلب يخفق تكاد تسمع دقاته وهي تسابق نغمات الهاتف المنتظمة، تنتظر في لهفةٍ، تكاد الدنيا لا تسعها إذ يرد عليها، إنها تأمل منه أن تلين لهجته، أن ترقَّ كلماته؛ فليس من المعقول أن تحمل هي كل هذا الشوق ثم لا تجد عنده مثله أو أقلَّه.
بودها لو نطقها وقال لها: "وحشتيني"، أو خاطبها بمثل ما تخاطبه به من كلمات دافئات: "يا حبيبي".

نعم.. عقد ونصف قد انقضى على زواجهما، ولكنه- ومنذ أيامها الأولى- جافٌّ حادٌّ لا يكاد يلين، وهي صابرة لعل الأيام تلينه، أو لعل الغربة القاسية التي يعيشها وحده، منذ أن قرَّر أن يبقى بمفرده، على أن يعود إليها مرةً أو مرتين، لعل هذه الغربة تلقِّنه درسًا في الشوق إلى زوجه.

لا تزال نغمات الهاتف تتواصل.. أخيرًا ردَّ عليها، لم تكد تلقِ التحية حتى عاجلها:

- ماذا عندك؟ "هاتي من الآخر".. الأولاد على ما يُرام؟ الكل بخير؟.

وهي ترد في تؤدة: الحمد لله، كلنا بخير.. المهم أنت.

-  الحمد لله، لا جديدَ عندي.. ها، ماذا تريدين؟.

- لا شيء.. سلامتك يا حَبِيـ... (لم تُكمِّل الكلمة؛ فقد بادرها):

- مع السلامة.

لم يدع لها فرصةً أن تبثه مشاعرها المتأجِّجة منذ سافر وتركها.

وضعت السماعة في حزن.. انحدرت من عينيها دمعة في إثر أخرى؛ إذ لا يمكن لزوجٍ بعيدٍ عن زوجه أن يكون بهذا الجفاء والحدة والغلظة.. أحيانًا توقن أنه لا يعرف غيرها، وتثق أنه لها وحدها، لكنها لم تعد تطيق ذلك وإن كانت من قبل قد تحمَّلته.

إنها الأشد حاجةً إليه، وإن مشاعرها كلها لتتقد له حبًّا وحنينًا، ولكنه في عالمٍ آخر؛ لا يحسُّ فيه دفء مشاعر أو حرارة شوق.

أمسكت بصورته، نظرت إليها، تأملته، بثته مشاعرها إذْ ضمتها إليها، ثم أودعتها مكانها.
سرحت بخاطرها وأسئلة تترى لا تكاد تفارقها: "ماذا لو لم أحبك؟؛ أكنت صابرةً مثابرةً على جفوتك؟ ماذا لو تقدَّمت بنا السنون وأنت على ما أنت عليه من حدة ونبرة عالية؟ أأكون بمثل هذه الروح المثابرة على حبٍّ هو الخيط المتين الذي يربطني بك فيجعلني أتمسك بهذه الحياة؟ غدًا سيذهب الأولاد كلٌّ في سبيله ونبقى معًا، وجهًا لوجه.. فهل تراك تحنو عليَّ؟ وهل تراك تعوِّضني عن حرمانٍ عانيته عقودًا متواصلة؟، تصبَّرتُ عليه أنك لم تُنقص لي كرامةً ولا قدرًا، وكان عزائي هو ما تلقى من كَبَدٍ في سبيل حياةٍ كريمةٍ تريد بها أن تحفظ ماء وجوهنا، ولعله سبب جفائك الدائم.

كنت هكذا ألتمس لك عُذرًا، لا أصغي لكلمات تتوارد على مسامعي من هنا أو هناك تغيَِّب عني أصالة عرفان العِشْرة، تحاول أن تطلقني في جموح وجنوح يهدم بيتنا بيت الرحمة، لكني آمل أن تريني في شيبتك ما لم تستطعه في شبابك.

إني ما زلت أهيم بك، لعل جذوة حبنا لا تنطفئ عند تلك المرحلة؛ ليظل الرباط؛ فقد تفرَّغ من كد النهار وأرق الليل فتبثني الحب ينبوع دفء وتحنان .
--------------
طالع المقال على موقع : إخوان أون لاين
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق